أصبحت الدول العربية مستباحة عندما تحولت الى دولاً فاشلة على كل الصعد السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وذلك بسبب استبداد انظمتها الحاكمة بشعوبها، حيث أصبحت هذه الشعوب عاجزة ولا تقدر على النهوض بمهماتها في المقاومة والدفاع عن ذاتها، والسعي إلى استنهاض قواها وامكانياتها. وأصبحت كذلك مستباحة عندما لم تقرأ التحولات المتكونة إقليميا وعالميا ولم تقدر الأخطار المحُدقة بها نتيجة هذه التحولات وتداعياتها التي خلقت فراغا سياسيا واسعا استغلته الدول الكبرى والإقليميةلاستباحة الحدود ومصادرة القرار والارادة العربية.

تهيأت الظروف والمناخات المثالية تماما للولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل وتركيا وإيران لكي ينفذوا كل خططهم في الهيمنة والاستباحة وامتهان هذه الأمة التي تبدت لهم عجزها، وتقبع على الهامش ولا تقوى على مواجهة ومقاومة أخطارهم وتحدياتهم. ولذا رأينا اسرائيل تصول وتجول وتقتل وتشرد في اكثر من بلد عربي كما تشتهي وتريد. وها نحن الآن نرى كذلك كل من تركيا وايران تصولان وتجولان في أكثر من قطر عربي بسهولة، وتحت شعارات مختلفة لكي تحققا لذاتهما نفوذا اقليميا يضعهما في سوق مزاد المساومات الدولية والإقليمية.

وتأتى الاستباحة والعدوان على الدول العربية من الخارج، متمثلة في الغزو الأمريكي للعراق والتدخل الإيراني في شؤونه الداخلية، وتدخل كل من روسيا وتركيا وإيران في الشأن السوري، وقوات حلف شمال الأطلسي في ليبيا. وهناك استباحة من الداخل متمثلة في استباحة أنظمة الحكم للحريات والسجن والاعتقال والتعذيب. كما ان العدوان من الداخل لا يقل ضراوة عن العدوان من الخارج إن لم يكن أقسى. العدوان من الداخل يجمع بين الاستبداد والفساد، بين رجال الحكم ورجال الأعمال، ما أدى إلى انهيار الدولة الوطنية، وتآكلها وانكماشها من الداخل.

الأمن القومي لدولنا العربية جمعاء مهدد إما بسبب سلبية شعوبها وأنظمتها، ووقوفها موقف المتفرج إزاء ما يحدث أو يقع في محيطها، وتركها المجال لغيرها ليملأ الفراغ وكأن الأمر لا يعنيها بشيء، أو أن تلك الدول ليست عمقا استراتيجيا لها، أو بسبب سياسة المحاور والاختلاف الحاصل بين المكونات الرئيسة لكل منها، والتي تلتقي مع ذاك الطرف الدولي او ذاك الإقليمي وتخدم مصالحه، والخصومات التي طفت على السطح حتى وصلت حد التنابز عبر وسائل الإعلام.

لا أظن أن النظام العربي في وضع يمكن أن يحسده عليه أحد، وهو يواجه الآن (وأكثر من أي وقت مضى) مخاطر جدية تتهدد أمنه القومي على أكثر من مستوى، بدءا من اقتطاع أجزاء من أراضيه، ومرورا باحتمال انهيار بعض دوله وتحولها إلى دول فاشلة بكل ما تعنيه الكلمة، وانتهاء بعبث بعض القوى الدوليةوالإقليمية في شؤون دوله بصورة أكثر جرأة وفقا لأجنداتها الخاصة. جّل هذه الأوضاع تثير العديد من التساؤلات، وعليه فقد آن الأوان لتحرك جماعي عربي من قبل مراكز الثقل في النظام العربي حماية للمصالح، ودرءا للأخطار وحماية لما يمكن حمايته والحفاظ عليه قبل أن يسقط سقف النظام على من فيه.

أليس من المستغرب أن تجد دولنا المتمحورة المختلفة لغة تفاهم مع الأقربين والأبعدين من الدول تصل الى حد التحالف الاستراتيجي أو غير الاستراتيجي، وترفض أو تعجز في الوقت نفسه عن إيجاد مثلها فيما بينها.