يمكنني السؤال كوني مواطنا عراقيا من الدرجة الاولى ، هل أن كل ما نعانيه في هذا البلد هو الدستور، منهم من كتبه على مزاج " الدكتاتور " ومنهم من كتبه بشروط " الإنقلابيين " ومنهم من رأى أن كتابته تمت فوق ظهور الدبابات القادمة عبر الحدود لتؤسس لنا مرجعيات مجربة في بلدانها ونالت السبق الليبرالي والديمقراطي وحكم الشعب، لم نعهده من قبل ووعدنا بانه سيفتح لنا أبواب " الفردوس " لنعيش مطمئنين ننام رغدا يغدق علينا أي " الدستور " موائد الخير والنعماء والمساواة في الحقوق دون النظر الى الفوارق الدينية والقومية والجغرافية.

ضرورات التعديل الدستوري

سبق للدعوات الوطنية على مستوى الشارع المطالب بالتغيير والإصلاح وزادها غليانا إندلاع ثورة 1 إكتوبر 2019 ، وتاليا عمل مجلس النواب تحت الضغط الشعبي على تشكيل لجنة برلمانية خاصة بتعديل الدستور ضمت مختلف المكونات من أجل اجراء تعديل الدستور ، على ان تسلم توصياتها للبرلمان خلالمدة لاتتجاوز 120 يوما الى رؤية جديدة في التعديلات الدستورية الإ إنها لم ترى بشكل كامل النور برغم التعويل عليها في منظور الإصلاحات المرتقبة .

صعوبة المهمة ومطباتها السياسية

مختصون وخبراء في القانون يرون أن الدستور ليس هو المشكلة كما ان تغييرهلايمكن أن يتم على عجل وفي أوضاع غير مستقرة لأن ذلك يصنع مخاوفا أكبر بسبب الصراعات الحزبية لذا يتطلب الامر تغيير قانون الانتخابات وحل البرلمان وتشكيل حكومة مؤقتة ثم اجراء انتخابات وبرلمان جديد وبعدها يمكن تشكيل لجنة منه لمراجعة الدستور وتعديله، فيما يرى قانونيون آخرون أن آلية تعديل الدستور ربما تكون صعبة ومعقدة لكنها ليست مستحيلة بل تغلب عليها الصفة السياسية على الصفة التشريعية والقانونية ولهذا أصبحت مسألة تعديل الدستور تشريعيا أمرا صعبا أو اشبه بالمستحيل ، لأن فرص التعديل قد تتعارض مع نص فقرات الدستور ذاته لأن الحصول على الاغلبية المطلقة البرلمانية غير ممكن في حالة رفض ثلاث محافظات لذلك، فهل أن تعديل الدستور يمكن ان يتم في حالة اعتراض اثنين او ثلاثة فقط من محافظات الاقليم الرافضة لتعديله ؟، وهل يشترط تعديله بذات الشروط لتشريعه وهي عدم رفضه من قبل ثلاث محافظات على الاقل لذلك فأن تعيدله اقرب الى الاستحالة من الناحية العملية ان لم يكن هذا التعديل توافقيا .

واقع التظاهرات ومسار مراقبة اداءها يؤكد أن المشكلة ليست في نصوص الدستور وانما في تطبيقه وتفسيره ، ولذا فأن الخطوة العملية للمعالجة تكمنفي تشريع قوانين تفصل مواد وفقرات الدستور ولا تترك مجالا للتأويل والتفسير والإبتعاد بالدستور من منطقة ( الصراع الطبقي السياسي ) المحتدم المتعدد الولاءات والتوصيات الإقليمية والخارجية على الساحة العراقية بدليل ما شهدته الفترات السابقة من تقنين قوانين وإزاحة أخرى وفق رؤية المشرع الإقليمي والدولي على ضوء مصالحه السياسية والامنية والإقتصادية في العراق ولا يهمه ماذا سيكون البلد عليه بعد ذلك في فترات متفاوتة من حكم الطبقة السياسية والمعروفة بتوجهاتها وولاءاتها.

إحماء سياسي يسبق فرضية التعديل الحقيقي للدستور ..

تعديل الدستور ليس صعب اذا وجدت الإرادة الحقيقية لتعديله ، لكن المنتفعين منه قيليلون اذا ماقورنوا بالاعداد الهائلة من الشعب الراغب بتعديله بشكل حقيقي ، بيد أن مقترح اجراء استفتاء على أية فقرة من الدستور يراد تعديلها او الغائها في الدستور تعد مشكلة بحد ذاته ويترتب إعادة الخارطة السياسية وتوزيع المغانم وفق الأغلبية والأقلية في حين تضيع الأقليات بين فكي هاتين القوتين وإندماك اخرى بينهما لدواع طائفية وقومية بطريقة المراوحة الى ماشاء الله.

النظام السياسي العراقي وصل الى طريق مسدود ولابد من حل البرلمان واجراء انتخابات مبكرة وتدوين دستور جديد وتشكيل حكومة برئاسة شخص متفق عليه بين القوى السياسية وممثلي المتظاهرين وبدون ذلك يستمر الضغط الشعبي السلمي وهو الكفيل بتحقيق ذلك، إذ لايوجد خيار آخر للإصلاح مهما تم من تعديلات دستورية وتلبية النزر اليسير من مطالب الغالبية الوطنية المؤثرة .

ولطالما شد العراقيون الرحال الى ضرورة ديمومة الحوار الوطني والعمل على إقامة المؤتمرات الهادفة الى تقوية أواصر اللحمة الشعبية على اساس ان العراق " وطن الجميع " ودستور دائم يوفر فرصة حقيقية لبناء نظام ديمقراطي وأن المشكلة تكمن في ان الطبقة السياسية التي ظهرت بعد عام 2003 لاتمثل احزابا سياسية بالمعنى المعاصر بل هي احزاب ولدت بحالة قيصرية لايمكنها بناء الثقة مع شعبها على اساس الخيار الستراتيجي الوطني.