قضية الطائرة الأوكرانية المحطّمة لا تزال تحتلّ مجالاً واسعاً للنقاش داخل إيران وخارجها. قبل يومين أعلن نظام الملالي التراجع عن عزمه بتسليم الصندوق الأسود للطائرة إلى آوكراينا واليوم أعلن وزير الدفاع في حكم الملالي بأن خامنئي أمر إعلان تفاصيل هذا الحادث.

مع كلّ ذلك لن يكشف النظام الواقع في هذا المجال وستبقى هذه القضية من الأسرار غير المكشوفة رمزها إلا بعد سقوط نظام الملالي، شأنها شأن ألف قضية سرية أخرى في هذا النظام. أللهمّ إلا أن المجمتع الدولي يفرض عليه كشف التفاصيل.

على أية حال، هذا الموضوع جدير لأن يبقى في الذاكرة وسرد أحداثها يعطي فهماً جديداً لطبيعة النظام الحاكم في طهران. والقصة هي أن الطائرة مدنيّة أوكرانية تحطّمت بعد دقائق من إقلاعها من مطار طهران في الساعات الأولى من فجر يوم الثامن من هذا الشهر، وسقطت في منطقة شهريار جنوبي العاصمة، وأسفر السقوط عن مقتل جميع ركّابها الـ 179 شخصاً منهم 147 إيرانياً. توقيت الحادث كان ملفتاً حيث أطلق نظام الملالي قبله بساعات صواريخ بالستية نحو القواعد الأميركية داخل الأراضي العراقية.

تصرفات نظام الملالي منذ وقوع هذا الحادث تشرح بشكل دقيق مدى توغل نظام خامنئي وأركان نظامه والموظفين الكبار فيه في الجريمة والكذب والخديعة ومحاولة التمويه وكذلك الهروب من الواقع وعدم الاهتمام إطلاقاً بحياة الإنسان.

لا شكّ أن النظام كان على علم بتفاصيل ما حدث وعلى أخطائه – لو لم يكن عملاً متعمّداً كما يقول البعض- في إطلاق صاروخ أرض- جو على الطائرة. لكنه صرّح وأكّد في البداية بأن الطائرة سقطت بسبب خلل فني. ومع أن المعلومات الدقيقة بشأن نوعية الطائرة الجديدة وإجراء عمليات الفحص قبل يومين من الرحلة كانت موجودة وكانت تتناقل هنا وهناك، وأن الخبراء في هذا المجال قالوا بأن من المستحيل أن الخلل الفني يكون خلف سقوط الطائرة، لكن النظام بقي صامتاً في نقل هذه الحقائق وكرّر كذبه بأن الخلل كان السبب. بعده بأيام دخل تقريبا جميع مسؤولي النظام من أمثال علي ربيعي المتحدث باسم حكومة روحاني وحسام الدين آشنا مستشار روحاني ليهددوا كلّ من يتحدث عن وجودصاروخ في هذا المجال! والملفت أن المسؤول المباشر عن الموضوع، مدير الطيران المدني في النظام، قال بأن الاحتمالية الوحيدة التي لايمكن الفكر فيها هي أنيكون إطلاق صاروخ وراء سقوط الطائرة!

ومنذ البداية أعلن النظام أنه لن يسلّم الصندوق الأسود إلى الشركة المصنّعة للطائرة (شركة بوينغ) لفحص أسباب السقوط. لما ذا؟ لأنها شركة أميركية وتعادي نظام الملالي!

بعد ذلك بدأت المعلومات تتوالى وكبار المسئولين في العالم كرئيسي وزراء بريطانيا وكندا والرئيس الأمريكي وغيرهم أعلنوا عن قناعتهم من خلال تحليل المعلومات الفنية بأن عملية إسقاط الطائرة كانت نتيجة إصابة صاروخ إيراني، لكن النظام لم يتغيّر رأيه! بعدها بساعات نشرت صور معبّرة تشير إلى إصابة شيئ من الخارج بالطائرة. بعد يومين أعلنت الجهة الامريكية المختصة التي بأن هناك جهاز متطور تمسح سطح الأرض مرة كل عشر دقائق، ولأن كل صاروخ يطلق يترك أشعة ما دون الحمراء فيمكن لهذا الجهاز رصد أي اطلاق صاروخ. وهذا الجهاز قد رصد إطلاق صاروخ روسي من هذا المنصّة واصطدامه بالطائرة.

امام جميع هذه الحقائق بقي الملالي وقادة الحرس صامتين لمدة ثلاثة أيام. بعد ذلك خرج خامنئي ليعرب عن أسفه من هذا الحادث وقال أنه لم يكن على علم بهذا الحادث!! وأكد أنه كان «خطأً إنسانياً ». هذا التعبير أصبح بعد ذلك الذريعة التي يتذرع بها النظام لتبرير جريمته. بعد خامنئي احتذي روحاني حذوه وادعى بدوره أنه لم يكن على علم بالحدث لمدة يومين كاملين بعد وقوعه.

لكن الواقع فرض نفسه على النظام وكما قالت السيدة مريم رجوي رئيسـة الجمهورية المنتخبة من قبل المقاومة الإيرانية، الشعب الإيراني لن ينسى هذه الجريمة ولن يغفرها بل يبحث عن محاكمة خامنئي وقادة الحرس الذين كانوا متورطين في هذه الجريمة الكبرى.

هذه المحاسبة الشعبية سرعان ما تجسّدت في انتفاضة شارك فيها طلاب مختلف جامعات طهران والمدن الأخرىبشعارات استهدفت هذه المرّة بشكل خاص خامنئي وقوات الحرس. وكان لأول مرة استهدف فيها الشعارات خامنئي بصفته القائد الأعلى للقوات المسلّحة. لأن قوات الحرس كانت المسؤولة مباشرة لإسقاط الطائرة وخامنئي هو من تنتهي به سلسلة القيادة المسؤولة عن هذه الجريمة.

وفي الوقت نفسه شدّدت الدول المعنية التي كان أتباعها ضمن ضحايا الطائرة مواقفها وضغوطها على نظام الملالي. ودخل على الخط روساء وزراء كل من كندا و أوكرانيا وبريطانيا وأعلنوا أنهم غير مقتنعين بما يقوله المسؤولون في نظام الملالي. وبذلك أجبر النظام على إعلان نصف الحقيقة حيث أقرّ قادة الحرس بأن الطائرة سقطت بفعل صاروخ اطلق«خطأً».

ولا شكّ أن لعوائل الضحايا دور كبير في دفع النظام إلى الاعتراف بنصف الحقيقة.

لكن السؤال الكبير ما زال يحتاج إلى جواب: النظام الذي أطلق قبل بضع ساعات صواريخ على القواعد الأمريكية وخلق حالة الحرب وكان على علم بإمكانية الردّ الأمريكي على هذا العمل الحربي، والأمريكان قد أعلنوا أنهم سيردّون على الهجوم، فلما ذا لم يقم بواجبه في إغلاق الجوّ أمام الطيران المدني؟ ألم يكن سبب عدم قيامه بهذا الواجب أنه كان خا‌ئفاً جداً من الردّ الأمريكي وأراد أن يجعل من الطائرات المدنية ستاراًرادعاً يحول دون الردّ الأمريكي وهجوم المقاتلات الأميركية على مراكز النظام؟

والسؤال الآخر لما ذا لا يمكننا أن نقول إن هذه الجريمة كانت جريمة متعمدّة ارتكبها نظام الملالي، و هذا سبب عدم تسليمه الصندوق الأسود للشركة الصانعة للطائرة (شركـة بوينغ) ولا إلى البلد الذي يملك الطائرة المستهدفة (أوكرانيا). خاصة وأن السلطات الأوكرانية أعلنت أن في اللحظات الأخيرة قبل إقلاع الطائرة اعتقلت قوات الحرس أربعة من ركّاب الطائرة واقتادتهم إلى خارج الطائرة؟!

ويمكننا من خلال دراسة هذا الحدث الكبير استخلاص نتائج تساعدنا في تعميق فهمنا من نظام ولاية الفقيه وتصرفاته، وهي:

1. نظام ولاية الفقيه نظام إجرامي لا يهمّه حياة 176 إنساناً بريئاً كانوا ركّاب الطائرة المدنية.

2. هذا النظام لا يرى نفسه ملتزماً بأي مبدأ من مبادئ الحرب والسلام.

3. طبيعته عجين بالمكر والحيل والخديعة، ولا يأبه من إنكار الشمس في وضح النهار.

4. هذا النظام لا يفهم أي لغة سوى لغة القوّة. إنه يتكلّم بهذه اللغة ويفهمها جيداً. فإذا أردنا إفهامه حقيقة لا سبيل لنا إلا ونفهمه بهذا الأسلوب.

5. لا توجد في قاموس هذا النظام الإنسانية ومبادئ حقوق الإنسان.

6. الشعب الإيراني سئم من هذا النظام وأثبت مرّة أخرى من خلال شعاراته الجهة التي تعتبر المانع الرئيس أمام الشعب وهي خامنئي وقوات الحرس. أي ولاية الفقية والآلة التي تعتمد عليها ولاية الفقيه.

إذن يمكننا أن نقول أن هذا الحادث أصبح مرآة يمكن من خلالها مشاهدة نظام ولاية الفقيه بكامل هندامه.

*رئيس لجنة القضاء في المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية