لا ضرورةَ إطلاقاً للضجّة التي أثارها البعض ضد زيارة أمين عام رابطة العالم الإسلامي الشيخ الدكتور محمد العيسى على رأس وفدٍ يضم خمسة وعشرين عالماً إسلامياً إلى "أوشيفيتز" البولندية حيث أرتكب "النازيّون" في الحرب العالمية الثانية بأوامر من أودلف هتلر مذابح جماعية ضد اليهود كـ "يهود" لا علاقة لهم بـ"الحركة الصهيونية" التي كان أسسّها النمساوي ثيودور هيرتزيل في نهايات القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين (1904 - 1897)كحركةٍ قومية إستعمارية تمَّ على أساسها إطلاق وزير الخارجية البريطاني آرثر بلفور لوعده المشؤوم في الثاني من نوفمبر عام 1917 بإقامة وطن قومِيٍّ لليهود في فلسطين.

وحقيقةَ أن هيرتزيل نفسه كان ميالاً لإقامة هذا الوطن اليهودي المنشود في أوغندا الأفريقية لكنّ الصهيوني حاييم وايزمان بدعمٍ بريطاني كان تبنّاه بكل إندفاع وحماس آرثر بلفور صاحب الوعد المشؤوم الآنف الذكر قد أُجبر على أن تكون الدولة الصهيونية المنشودة في فلسطين والمعروف أن فلسطين، ومعها الوطن العربي كله، كانت خلال أربعة قرون ماضية تحت الحكم العثماني وكان اليهود فيها لا تتجاوز نسبتهم الـ 3% من سكانها العرب المسلمون منهم والمسيحيون.

والمهم هنا هو أن هذا الوفد الإسلامي عندما ذهب إلى "أوشيفيتز" البولندية التي كانت شهدت خلال الحرب العالمية الثانية أسوأ مذابح التاريخ الدمويّة ضد اليهود كـ"يهود", أغلب الظن أنه لم تكن لهم علاقة بالحركة الصهيونية, وهنا فإن المفترض أنه معروفٌ أن هناك فرقاً كبيراً بين "اليهوديّة" كدينٍ يعترف به المسلمون ويقدّرونه على إعتبار أنه أحد الأديان السماوية وبين الحركة الصهيونيّة التي هي حركة قومية عنصرية وأيضاً حركة إستعمارية كانت قد استغلت إنهيار الدولة العثمانية وسيطرة البريطانيين على فلسطين وبادرت بدعمٍ بريطاني وعلى أساس "وعد بلفور" هذا لإقامة هذه الدولة التي هي في حقيقة الأمر "مستعمرة" استغلت اليهود والديانة اليهودية ومثلها مثل المستعمرات الفرنسية والبريطانية في آسيا وأفريقيا وباقي القارات الأخرى القريبة والبعيدة.

وهكذا فإن المقصود هو أن "النازييّين" عندما ارتكبوا مذابح "أوشيفيتز" و"سبرينيتسا", فإنهم قد ارتكبوها بدوافع عنصرية ضد اليهود كيهود وليس ضد الصهاينة والحركة الصهيونية وهذا وبالتأكيد هو ما دفع الشيخ الدكتور محمد العيسى أمين عام رابطة العالم الإسلامي ليترأس هذا الوفد الذي ترأسه والذهاب إلى "أوشيفيتز" في بولندا وإلى "سبرينيتسا" في البوسنة والهرسك ليؤكد للعالم كله أن المسلمين يدينون تلك المذابح التي تعرض لها اليهود على أساس دينهم اليهودي وأنهم يفرّقون بين اليهودية والصهيونية وأنهم يعتبرون هذه الأخيرة حركة قومية عنصرية واستعمارية وأنه على هذا الأساس العنصري والإستعماري قد أنشئت دولة إسرائيل في فلسطين التي مثلها مثل كل المستوطنات التي أنشئت في القارة الآسيوية وفي الأفريقية وفي أستراليا وغيرها.

إنَّ المقصود بهذه الزيارة، الخيّرة والضرورية، هو التأكيد للعالم كله ولأتباع الديانة اليهودية من منهم في فلسطين ومن منهم في أربع رياح الكرة الأرضية أن المسلمين يعتبرون الدين اليهودي ديناً سماوياً مثله مثل الدين المسيحي والدين الإسلامي وأنهم يفرّقون بين اليهود والصهاينة وأنهم يرفضون تلك المجازر التي إرتكبها "النازيّون" في بولندا وفي البوسنة والهرسك وأنهم يطالبون العالم بإدانة المذابح التي أرتكبت ضد الفلسطينيين بدوافع عنصرية وصهيونية والتي لا تزال ترتكب حتى الآن وفي كل يومٍ وليلة وأن المشكلة في هذه المنطقة ليست مشكلةً دينية إنها مشكلة إستعمارية وإن المسؤول عنها ليس لا اليهود ولا الدين اليهودي وإنما الصهاينة وحركتهم الصهيونية كحركة عنصرية إستعمارية.