لأنني عشتُ وعايشت تلك المرحلة التي كانت قد بدأت فيها عملية السلام جديّاً وكان كل القادة الفلسطينيون الكبار قد اتفقوا على أن يكون محمود عباس على رأس الوفد الفلسطيني إلى أوسلو, الذي ألحق به بعض غير المؤهلين وغير الضروريين, وهنا فإنني لا أريد أن أذكر لا إسماً واحداً ولا أكثر, ويقيناً أن إختيار هذا الرئيس الفلسطيني الحالي لتلك المهمة الصعبة كان موفقاً فـ"أبو مازن" تنطبق عليه مقولة: "السهل الممتنع" وهو, حتى في تلك الفترة التي باتت بعيدة, كان الأكثر متابعة لهذا الموضوع وهذا الاتجاه وكان الداعمون له بالإضافة إلى (أبو عمار), رحمهم الله جميعهم, (أبو جهاد) و(أبو إياد) وآخرون من الفصائل الفاعلة كالجبهة الشعبية والجبهة الديمقراطية.

وحقيقة أنَّ "أوسلو" لم تكن مشروع (أبو مازن) بل مشروع القادة الأساسيين كلهم وعلى رأسهم (أبو عمار) أن إنتدابه لتلك المهمة الصعبة لم يكن عشوائياً بل لأنه متابع واسع الأفق ولأنه يتمتع بـ"مرونة" هائلة في التفاوض وأيضاً ربما لأنه يعرفْ الإسرائيليين أكثر من غيره ولأنه بقي متابعاً للتوجهات الاسرائيلية بالنسبة لعملية السلام منذ البدايات البعيدة وأنه يعرف الكثير عمّا في صدور ورؤوس الذين سيجلس أمامهم على مائدة المفاوضات ربما أكثر مما يعرفونه عن بعضهم بعضاً.

ويقيناً إنّ ما دعاني إلى قول هذا هو أنني أعرف وغيري يعرفون, وبخاصة من الذين رافقوا هذا القائد الفلسطيني الذي كان أحد الطلائعيين الأوائل الذين أطلقوا الثورة الفلسطينية في عام 1965 والذين أسسسوا حركة "فتح" في تلك المرحلة التاريخيه المبكرة والصعبة, أن "أبو مازن" لا يمكن أن "يضيِّع" أي "فرصة" مهما كانت محدودة لاستغلالها من أجل إضافة إنجاز مهما كان حجمه إلى قضية شعبه.. وهذا مؤكد ومعروف ولا يمكن أن ينكره حتى الذين لا يتفقون معه على أمور ليست قليلة.

وعليه فإنني "أجزم" أن (أبو مازن) سيبقى يتمسك بـ"السلطة الوطنية" وأنه لن يدير ظهره لعملية السلام وأنه سيزداد تمسكاً بالإنجازات العظيمة التي حققتها القضية الفلسطينية إنْ على الأرض وإنْ في المجالات الدولية وحيث أن المعروف أنَ هناك إعترافاً دوليَاً بدولة فلسطينية تحت الاحتلال وأنّ هناك سفارات لهذه الدولة في معظم دول العالم ومن بينها دولاً فاعلة كبرى وأنّ هناك, وهذا هو الأهم, تجذراً للفلسطينيين في وطنهم في الضفة الغربية وبالطبع في القدس وفي قطاع غزة وأيضاً في الأرض المحتلة منذ عام 1948.

وهكذا فإن المؤكد أنَ القيادة الفلسطينية وعلى رأسها (أبو مازن) لن تهمل حتى أي بصيص أمل في "صفقة القرن" هذه إلّا وتلتقطهُ وكل هذا مع عدم التفريط حتى بأي صغير وأي ما يمكن إعتباره ثانوي من الحقوق الفلسطينية التي تحظى بالتأييد والدعم من الأمم المتحدة ومن دول العالم كلها باستثناء الاستثناءات المعروفة وهنا فإن المعروف أنَّ موقف الحزب الديمقراطي الأميركي هو هذا الموقف وأنه يؤيد قيام دولة للشعب الفلسطيني على حدود عام 1967.

وبالطبع فإنه لا يمكن إلَّا رفض الكثير لا بل معظم ما جاء في "صفقة" دونالد ترمب التي هي "صفقة" عتاة المتطرفين الصهاينة لا بل رفضها كلها إذا لزم الأمر لكن مع التأكيد على عدم التفريط بأيٍّ من الإنجازات الفلسطينية التي تم تحقيقها وفي مقدمتها السلطة الوطنية وعودة عشرات.. وربما مئات الألوف من الفلسطينيين إلى وطنهم.. إنَّ كل هذا الذي تحقق دوليّاً يجب الحفاظ عليه وأكاد أجزم أنَّ الرئيس (أبو مازن) هو الأكثر معرفة بهذه الأمور وهو الأكثر حرصاً عليها من غيره وهذه مسائل يعرفها الشعب الفلسطيني كله وكل الذين تهمّهم قضية فلسطين.