تحبس تونس أنفاسها، فيما بدأ العد التنازلي لتشكيل حكومة الياس الفخفاخ المكلف من رئيس الدولة قيس سعيد وفق آلية دستورية نزعت من الحزب الحاكم مبادرة اختيار رئيسا للحكومة بعد محاولة أولى باءت بالفشل.

هذا هو الدستور التونسي الذي يسلب الأحزاب الفائزة في الانتخابات البرلمانية حق الاختيار بمجرد فشلها في تمرير شخصيتها التي اختاراتها ،من نيل ثقة مجلس النواب فتمر المبادرة مباشرة الى رئيس الجمهورية. غير ان الدستور وحين مرر المبادرة للرئيس، و نحن في نظام برلماني معدل، كان يريد ان يتحول رئيس الجمهورية الى رجل وفاق بين كل الأحزاب و خاصة صاحبة المراتب الأولى، للاختيار مجددا من بين مرشحيها. وهذا لم يحدث، اذ اختار رئيس الجمهورية، وفقا لتقديره، شخصية حزبية من خارج فلك الأحزاب الفائزة، واشترط عليه على ما يبدو استثناء الحزب الفائز الثاني في عدد المقاعد، حزب قلب تونس.

دعوة جل الأحزاب وخاصة حزب حركة النهضة الإسلامي الى عدم اقصاء أي حزب ظاهره الرغبة في تكوين حكومة وحدة وطنية تجتمع حولها أكبر عدد ممكن من الأحزاب، غير انه يخفي عدة حسابات سياسية تتعلق بوجود تلك الأحزاب أساسا. قيادة من حركة النهضة الإسلامي أعلنت صراحة عن مخاوفها من أي يقع اقصائها لاحقا و حشرها في زاوية المعارضة بما يعني تقويض سلطتها تدريجيا قبل الوصول الى انتخابات 2024، وهي بناء على هذه الحسابات التكتيكية تريد الدخول في حكومة مدعوة من حزب مدني، ربما تجده "وقت الحاجة" للإطاحة بحكومة الفخفاخ في حال تمرد على قراراتها و توجهاتها.

طبعا هذا نزر قليل من حسابات الطبقة السياسية التونسية في حين ان عشرة أيام فقط تفصلنا عن موعد منح الثقة لحكومة الفخفاخ من عدمه، وهو في حال فشل كما تشير اهم المعطيات حاليا، فإن البلاد تمر نحو انتخابات تشريعية مبكرة مما يعني تواصل الشلل في اغلب المرافق الإدارية و حالة الريبة و الشك وسط المجتمع و خاصة المستثمرين.

إنه وضع سياسي مأزوم، ساهمت فيه تعميق جراحه السياسات المتبعة من طرف الطبقة السياسية التي حكمت بعد الثورة، في حين تتهم هذه الأحزاب ذاتها ما تصفه بالثورة المضادة في افشال مساعي الإصلاحات الكبرى و تحقيق العدالة الاجتماعية و مكافحة الفساد.

ومهما يكن المتسبب في حالة الانهيار الاقتصادي والاجتماعي اللامسبوق التي تشهده تونس طوال السنوات الماضية، فإن المكوي بنار تداعيات ذلك هو المواطن البسيط الذي تدهورت مقدرته الشرائية للحظيظ وتمت استباحة امنه بارتفاع منسوب العنف و الجريمة وارتفاع مدركات الفساد في دولة تدعي ان أولى أولوياتها مكافحة الفساد.

الخوف كل الخوف الآن في دولة ينزل فيها الأستاذ الجامعي و الطبيب و الإطار السامي الى درك الطبقة الفقيرة و المفقرة،فالخوف ان تتحول تونس من دولة التحول الديموقراطي بكل ما فيه من زهو الانتصارات على الاستبداد الى دولة فاشلة. بين الدولتين خيط رفيع لا بد من المحافظة عليه حتى لا يتقطع و نذهب للمجهول، و من أجل ذلك، تستحق تونس سياسيين من طينة ديغول و تشرشل

و فردريتش ايبرت. فهل يوجد حكماء في هذا البلد؟ام لا حياة لمن تنادي؟