هذه الصفقة (الصفعة) التي كشف عنها الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" يوم الثلثاء 28 يناير المنصرم كشفت بوضوح لا لبس فيه ان الولايات المتحدة طرف في الصراع بين العرب وإسرائيل وليست وسيط سلام كما كانت تدعي، حيث ان هذه الصفقة التي كان يروج لها "ترامب" منذ فترة خلت من أي إشارة للقانون الدولي او لقرارات الأمم المتحدة الصادرة منذ العام 1967م هي العرض الأخير للفلسطينيين. كما حملهم المسؤولية الكاملة لما سوف يحصل لهم في حال رفضهم لهذه الصفقة، وهذا يعتبر تهديد مبطن. "ترامب" لم يقدم أي شيء لتحقيق المساواةطبقا للقرارات الدولية، بل ثبت السيطرة الإسرائيلية الكاملة والخضوع الفلسطيني لها.

لم يكتفي "ترامب" بهذا فقط، بل وزاد من التهكم عبر تصريحاته المتكررة التي أكدت أنه لا يقيم أي وزن لمعارضة الدول العربية لخطته حتى أنه لم يكن يرغب بسماع أي شيء من الزعماء العرب حول صفقة القرن، لأنه اتخذ قراره بالإعلان عنها والمضي في تنفيذها، وهو الذي اعترف من قبل في العام 2017مبالقدس الشرقية عاصمة لدولة إسرائيل، وقطع المساعدات المالية للفلسطينيين، وأعلن عن دعمه بناء المستوطنات الإسرائيلية بالضفة الغربية معتبرا ذلك حقا مشروعا لدولة إسرائيل في مخالفة واضحة وصريحة للإجماع الدولي.

هذه الصفقة (الصفعة) تؤكد على رفض أي عودة للاجئين الفلسطينيين إلى فلسطين قبل احتلالها، واسقاط أي مطالب مستقبلية بالتعويض. وكل لاجئ فلسطيني لا يتمتع بحقوق المواطنة في أي بلد أمامه ثلاثة خيارات: العودة إلى الدولة الفلسطينية الجديدة وتبعا لقدرات الدولة، أو منحه حق الاستقرار في البلد الذي يقيم فيه وبناء على موافقة البلد، أو إدراجه ضمن برنامج توزيع اللاجئين الفلسطينيين على الدول الراغبة الأعضاء في منظمة التعاون الاسلامي بحيث تقبل كل دولة استيعاب خمسة آلاف لاجئ سنويا وعلى مدار عشرة أعوام.

بموجب هذه الصفقة الظالمة أصبحت "القدس" عاصمة موحدة لإسرائيل، والمستوطنات اليهودية صارت مشروعة، ولا يحق للفلسطينيين العودة إلى بلادهم، فلا صلة بين الضفة الغربية وغزة إلا عن طريق أنفاق وطرق سريعة تراقبها إسرائيل. الحقيقة التي يجب أن يدركها العرب ودول العالم اجمع هي أن الولايات المتحدة الأمريكية كانت دائما عقبة كؤود في طريق الحل العادل والدائم للنزاع العربي – الإسرائيلي طبقا للقرارات الدولية، فهي دائما منحازة لإسرائيل ومعرقلة لكل القرارات الدولية الهادفة إلى حل هذا النزاع بما توفره من دعم مادي وحماية قانونية وعسكرية لإسرائيل على حساب الحقوق المشروعة للفلسطينيين.

هذه الصفقة بمثابة تصفية لكل مبادرات السلام التي طرحت بما فيها مبادرة السلام العربية التي قدمتها الرياض في العام 2002م والتي تشترط انسحاب اسرائيل من الأراضي العربية المحتلة عام 1967م مقابل السلام وتطبيع علاقات جميع الدول العربية مع إسرائيل. هذه الصفقة تمنح إسرائيل كل شيء وتعطي الفلسطينيين دويلة مبتورة الأوصال فاقدة السيادة وغير قابلة للحياة. دويلة تحيط بها إسرائيل من كل جهة وتتخللها المستوطنات اليهودية الكبيرة والصغيرة. دويلة لا حدود لها ولا سلاح ولا سيادة، أي هي باختصار دويلة بلا حياة.

الحدث المؤسف والمثير للدهشة انه بعد اسبوع من الإعلان عن صفقة (صفعة) القرن، التقى رئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتنياهو" رئيس مجلس السيادة السوداني الفريق أول "عبدالفتاح البرهان" في العاصمة الأوغندية "كمبالا"، حيث اتفق الطرفان على بدء التعاون المشترك تمهيدا لتطبيع العلاقات بين البلدين.

لمن لا يعلم من العرب، أقول لكم: ملف تطبيع العلاقات بين إسرائيل والسودان ليس حديث العهد، أنه يعود إلى زمن الرئيس المخلوع "عمر البشير"، حيث جرت بين مسؤولي البلدين لقاءات عدة في عدة مدن بينها "إسطنبول" للتمهيد لها. وتسعى السلطات الانتقالية الحالية إلى شطب السودان من لائحة الدول الداعمة للإرهاب وفك عزلته إقليميا ودوليا، من بوابة التطبيع مع إسرائيل (على حساب حقوق الفلسطينيين) والذي سيدفع بدوره الإدارة الأميركية إلى دعمه في المرحلة الانتقالية الصعبة.

البيان الختامي الذي صدر عن الجامعة العربية بهذا الخصوص باهت ولا يضيف أي شيء جديد، بل هو تكرار للبيانات السابقة التي لا تقدم ولا تؤخر، ويعكس العجز العربي المتواصل منذ حرب العام 1967م.

الحقيقة هي ان إسرائيل شطبت من قائمة الأعداء التقليديين للحكام العرب. وزارت وفود إسرائيلية دولا عربية وخليجية والعكس حدث أيضا، وبات العلم الإسرائيلي يرفرف في عدة عواصم عربية. كما فتحت إسرائيل مكاتب لها في دول عربيةلم تعترف بها رسميا حتى الآن.