إرتكب مبارك الفاضل المهدي، إبن العائلة العريقة حقاًّ سياسياًّ وإسلامياًّ، خطأين فادحين، ولا أقول أكثر من هذا، عندما حاول الدفاع عن رئيس مجلس السيادة السوداني الجنرال عبدالفتاح البرهان الذي كان إلتقى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في أوغندا في خطوة وصفت بأنها "تطبيعية" وهي كذلك وعندما إدَّعى أنّ الفلسطينيين "أنفسهم" قد طبعوا مع إسرائيل بتوقيع إتفاقيات أوسلو (المعروفة) وعندما وصف الدولة الإسرائيلية بأنها من الممكن أن تقدم للسودان "شهادة براءة" من الإرهاب ووصفها بأنها دولة مهمة في إصدار هذه الشهادة!!.

والمفترض أن مبارك الفاضل المهدي، بحكم إنتمائه العائلي العريق وبحكم ثقافته العالية القدر وبحكم تقلبه في مواضع الحكم العليا في السودان وأيضاً بحكم قربه من القضية الفلسطينية ومعرفته الحميمة لكبار قادة فلسطين وفي مقدمتهم ياسر عرفات (أبوعمار)، رحمه الله، ومحمود عباس (أبومازن)، أطال الله عمره، أن وجود الفلسطينيين في وطنهم المحتل ولقاءاتهم التفاوضية مع الإسرائيليين ليس تطبيعاً وإنما إشتباكاً سياسياً هو في حقيقة الأمر أصعب كثيراً من الإشتباك العسكري والدليل هو أنه قد تم إغتيال رئيس الوزراء إسحق رابين لأنه قد وقَّع هذه الإتفاقيات وأنه كان جاداً في تطبيقها وإقامة دولة فلسطينية مستقلة، على حدود الرابع من يونيو عام 1967 ومن ضمنها القدس الشرقية، إلى جانب الدولة الإسرائيلية.

إن كل هذه المفاوضات الصعبة المتعلقة بتطبيق إتفاقيات أوسلو التي تم إقرارها والتوقيع عليها في البيت الأبيض في واشنطن من قبل "أبومازن" و"شمعون بيريز" وبحضور (أبوعمار) وإسحق رابين وبمباركة من العاهل الأردني الراحل الملك حسين، أمطر الله تربته الطاهرة بشآبيب رحمته، وبالطبع برعاية الرئيس الأميركي بيل كلنتون وهكذا فقد تمت عودة القيادة الفلسطينية ممثلة بـ "ياسر عرفات" أولاً إلى أريحا وبالطبع وإلى قطاع غزة ولاحقاً إلى رام الله والضفة الغربية.

ولذلك فإن ما قام به الفلسطينيون ولا زالوا يقومون به هو إشتباك سياسي وفي بعض الأحيان عسكري مع الإسرائيليين وليس "تطبيعاً" بالمعنى الذي ذهب إليه مبارك الفاضل المهدي، الذي سيبقى له ولعائلته الكريمة كل التقدير والإحترام، وهنا فإن ما مِنْ المفترض أنْ ما لا خلاف عليه هو أن ما قام به الجنرال عبدالفتاح البرهان في أوغندا هو "التطبيع" بعينه وأن الأخطر فيه أنه قد تم من وراء ظهر الحكومة السودانية وأن غالبية السودانيين قد فوجئوا به وأنهم إستنكروه وتبرَّأوا منه.

ثم وإن الأخطر من هذا كله هو أن الجنرال البرهان قد إعتبر أن التطبيع مع إسرائيل يمكن أن يقدم للسودان :"شهادة براءة من الإرهاب" وذلك في حين المفترض أنه يعرف أن إسرائيل نفسها هي أكبر دولة إرهابية في الكرة الأرضية كلها وأنها بالإضافة إلى إغتيال العديد من القيادات الفلسطينية: "أبوعمار" و"أبوجهاد" و"أبوإياد" وكمال عدوان وأبويوسف النجار وأبو حسن سلامة وكثيرين غيرهم قد إغتالت وبكل وحشية عدداً من كبار الأدباء والمبدعين الفلسطينيين من بينهم غسان كنفاني وناجي العلي ووائل زعيتر وكمال ناصر وغيرهم وهذا بالإضافة إلى تفجير مركز الدراسات الفلسطيني في بيروت الشهير والمعروف.