سعى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أن يكون خطابه السنوي حول حالة الاتحاد بمنزلة تدشين لحملة انتخابه لولاية رئاسية ثانية، حيث جاء الخطاب بمنزلة "جردة حساب" لأدائه خلال السنوات الثلاث المنقضية من رئاسته، وبدا ذلك واضحاً حين أعلن أنه "وفى" بوعوده التي كان قطعها قبل انتخابه، مشيدا بـ "العودة الأمريكية العظيمة"، وجاءت العبارة الأخيرة وكأنها شعار مهماً من شعارات حملة اعادة انتخابه وليست فقط عنواناً لخطابه الرئاسي الثالث، وقال ترامب إن "الولايات المتحدة أصبحت تحظى بالاحترام العالمي من جديد من عهده".

بداً واضحاً في خطاب "حالة الاتحاد" الثالث أن الرئيس ترامب يراهن بقوة على أداء الاقتصاد الأمريكي والانتعاش الحاصل خلال سنوات رئاسته كرافعة أساسية لاعادة انتخابه، حيث أكد على أن "حظوظ أمريكا تزداد ومستقبلها مشرق جدا"، كما أن "سنوات التراجع الاقتصادي، وأيام استغلال بلادنا واحتقارها من جانب دول أخرى قد انتهت وأصبحت من الماضي"، وتطرق إلى انتعاش الوظائف وتراجع البطالة، وقال "انتهت الوعود المكسورة وانعدام الوظائف والأعذار لاستنزاف ثروة أمريكا، ومعدلات البطالة هي الأقل خلال نصف قرن".، وأشار ترامب خلال الخطاب إلى تراجع البطالة لدى فئات عدة من مكونات الشعب الأمريكي، بما فيها النساء وذوي الأصول الأفريقية والآسيوية واللاتينية، وأضاف الرئيس الأمريكي :" قمنا بتوفير 7 ملايين وظيفة. خمسة ملايين أكثر من توقعات الحكومة خلال الإدارة السابقة".

البيانات الأمريكية تقول أن البطالة قد انخفضت في عهد ترامب إلى 3.5 في المائة، وهي أدنى مستوى لها في نصف قرن، ويرى ترامب أن هذا سببا كافيا لإعادة انتخابه مرة أخرى، وهذا بالفعل قد يحدث لأن الناخب الأمريكي ينظر إلى حالة الاقتصاد باعتبارها أولويته الأولى، وماذكره ترامب عن الاقتصاد يجد أصداء مباشرة له لدى الناخبين الأمريكيين، خصوصاً أنه يستغل انشغال منافسيه بقضايا هامشية وأخرى سياسية للانقضاض عليهم واتهامهم بالاشتراكية وغير ذلك.

لم يخل الخطاب الرئاسي بطبيعة الحال من قضايا السياسة الخارجية، ولاسيما ما يتعلق بالارهاب وقادته وتنظيماته، فضلاً عن الملفات ذات الأهمية بالنسبة للرأي العام الأمريكي، أو تلك التي حقق فيها الرئيس ترامب انجازات يريد أن يسلط الضوء عليها في خطابه للشعب، لذا فقد تحدث تحديدا عن عملية قتل الجنرال قاسم سليمان، قائد "فيلق القدس" في الحرس الثوري الإيراني، بأنه كان "جزار النظام الإيراني" ومسئول عن قتل آلاف العسكريين الأمريكيين في العراق، وأضاف "نفذنا عملية دقيقة ومحكمة ضد سليماني فقضينا عليه تماما، كما أن الاقتصاد الإيراني يعاني بشدة بسبب العقوبات التى فرضناها عليهم". كما شدد على إعادة الجنود الأمريكيين إلى الوطن، ، قائلا "نعمل على إنهاء الحروب في الشرق الأوسط وإعادة جنودنا للوطن"، وكان يشير في ذلك إلى أفغانستان على وجه التحديد. كما تطرق ترامب إلى القوة العسكرية الأمريكية وقال إن "جيشنا أعيد بناؤه كلية وقوته لا تضاهيها أي قوة في العالم"، وأضاف :" أقول لشعب بلادنا العظيم ولأعضاء الكونغرس: حالة اتحادنا أقوى من أي وقت مضى". كما تحدث ترامب عن التزامه بمحاربة ما وصفه بـ "الإرهاب الإسلامي المتشدد"، وقال "قتلنا زعيم ومؤسس تنظيم الدولة (أبو بكر البغدادي) وقد قضينا على التنظيم بشكل كامل".

الواضح من تحليل الخطاب أن ترامب يجيد اللعب على وتر الشعبوية بشكل جيد، ويجعل من قضايا معينة محوراً للطعن في خصومه الديمقراطيين، ومن ذلك قضية المهاجرين غير الشرعيين واللاجئين، التي تشغل حيزاً كبيراً من اهتمام ترامب، حيث قال في خطابه " إن الديمقراطيين يخططون لإجبار "دافعي الضرائب الأمريكيين على توفير رعاية صحية مجانية غير محدودة للأجانب غير الشرعيين".

أمريكا القوية اقتصادياً وعسكرياً كانت محوراً رئيسياً لخطاب الرئيس ترامب عن حالة الاتحاد، ويبدو أن رهانات ترامب تأخذ اتجاهاً صحيحاً حيث أشار استطلاع للرأي أجرته مؤسسة "جالوب" قبل خطاب حالة الاتحاد عن ارتفاع مستوى تأييد الرئيس بين الأمريكيين إلى 49% وهو أعلى مستوى يصل إليه ترامب، فضلاً عن أنه مستوى عال في ظل عامل التوقيت الذي كان يشير إلى عدم حسم مسألة محاكمة الرئيس وعزله وقتذاك، بمعنى أن هذه النسبة العالية التي حققها ترامب قبل حسم موضوع العزل لمصلحته وطي هذه الصفحة نهائياً بعد أن رفض مجلس الشيوخ استدعاء الشهود وبدء محاكمة الرئيس للمحاكمة، هذه النسبة تشير إلى ارتفاع حظوظ ترامب وشعبيته قبل نحو عشرة أشهر من انتخابات الرئاسة الأمريكية التي ستجرى في نوفمبر المقبل.

كان تركيز ترامب في خطابه على فكرة الوفاء بالوعود التي قطعها على نفسه قبل انتخابه وقوله "بخلاف كثيرين آخرين قبلي، أنا أحافظ على وعودي"، مؤشر حيوي على دخوله بقوة على خط الحملة الانتخابية، وهذا مايفسر اهتمامه بأولويات الناخب الأمريكي وليس تقديم جردة حساب كاملة لسياساته امام الكونجرس، حيث قال "لقد نجحت استراتيجيتنا"، متحدثا عن اتفاقاته التجارية الأخيرة مع الصين وكندا والمكسيك، ولم يركز كثيرا على السياسة الخارجية، ولم يأت على ذكر كوريا الشمالية.

الواضح من تحليل الشواهد أن الرئيس ترامب يخوض السباق الانتخابي مدعوماً بشعبية تزايدت بشكل لافت بين أوساط الجمهوريين، حيث عكست أجواء مجلس الشيوخ أثناء مناقشة موضوع المحاكمة أن ترامب يحظى بدعم قوي من أعضاء حزبه، وهي نقطة لافتة لمصلحته، فلم يكن ترامب بمثل هذه الشعبية لدى الجمهوريين من قبل، إذ كشف استطلاع أجرته مؤسسة غالوب هذا الأسبوع أن 94 في المئة من الجمهوريين يوافقون على أداء ترامب في منصبه في البيت الأبيض، وأفادت مؤسسة غالوب أن 89 في المئة من الجمهوريين يوافقون على أداء ترامب خلال عامه الثالث في منصبه، ما جعله ثاني أكثر رئيس شعبية بين أعضاء حزبه في تاريخ الولايات المتحدة.

في ظل هذا الإجماع الجارف لدى الجمهوريين واصطفافهم وراء الرئيس ترامب، تراجعت الانتقادات التي كانت تلازم أدائه الرئاسي خلال بدايات توليه منصبه، وعلينا أن نتذكر جيداً كيف أصبح المرشح الرئيسي للحزب الجمهوري للتنافس على منصب الرئيس، حيث بدا الأمر غير متوقع تماماً قبل أربع سنوات من الآن! ويكفي أن منتقديه الجمهوريين مثل عضو مجلس الشيوخ عن ولاية ألاسكا، ليزا موركوسكي، وعضو مجلس الشيوخ عن ساوث كارولينا، ليندسي غراهام، اللذين حذرا في عام 2016 من انتخابه مرشحاً للحزب، كانا من أبرز داعميه في مجلس الشيوخ أثناء محاكمته!

شعبية ترامب بين الناخبين الجمهوريين اتضحت كذلك بقوة خلال انتخابات التجديد النصفي في عام 2018، حيث خسر العديد من أعضاء الكونجرس الجمهوريين، الذين عرفوا بعدم ولائهم للرئيس ترامب، كما يلاحظ أن جميع اعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين، عدا مت رومني، قد صوتوا لرفض استدعاء الشهود واغلاق ملف محاكمة الرئيس ترامب بعد 15 يوماً فقط.