المؤسف حقاًّ أن مقتدى الصدر قد إنقلب على نفسه وإنه قد بادر فجأة إلى تغيير إتجاهه السابق الذي كان وضعه في مصافي القادة التاريخيين والإلتحاق بركب الطائفيين الإيرانيين وغير الإيرانيين المتمترسين في "قُمْ"، التي تحولت من "مزار" ديني ترقد فيه السيدة "معصومة"..، فاطمة بنت موسى الكاظم، إلى مثابة مذهبية لتحريض المسلمين على بعضهم بعضاً وحيث هناك كل هذا التناحر الدامي الذي تشهده بغداد الرشيد وتشهده سوريا ويشهده لبنان إنطلاقاً من ضاحيته الجنوبية.

كان السيد مقتدى الصدر، قبل أن يغير إتجاهه وتوجهاته ويبادر إلى هذه الإنعطافة المذهبية والطائفية الخطيرة، يعتبر رمزاً لكل هذه المجموعات الشبابية التي يجب التأكيد على أن غالبيتها المطلقة من أبناء الطائفة الشيعية الكريمة التي تشكل الأكثرية في جنوب بلاد الرافدين ووسطها لكنه وللأسف قد تخلى فجأة عما كان عليه وألتحق بمن حولوا "قم" المقدسة إلى غرفة عمليات لتأجيج الصراع والإقتتال بين المسلمين، في هذه المرحلة الخطيرة فعلاً التي تتعرض فيها هذه المنطقة الشرق أوسطية كلها إلى كل هذه التحديات الوجودية .

إلى ما قبل فترة قصيرة كان الشبان الثائرون، الذين يملأون ساحات وميادين جنوب بلاد النهرين ووسطها، يهتفون بحياة مقتدى الصدر الذي لا يمكن إنكار أن عائلته بقيت تقدم خيرة الشهداء وفي مقدمتهم ذلك القائد العظيم موسى الصدر الذي كان قد تم إغتياله وإخفاءه مع زميلين له خلال زيارة لـ "جماهيرية القذافي" لإفساح المجال لكل هذا "التمذهب" المرعب الذي لم يكن يعرفه الجنوب اللبناني ولم تكن تعرفه حتى ضاحية بيروت الجنوبية.

وعليه فإن المفترض أن يتدارك مقتدى الصدر وقوعه في هذا الخطأ التاريخي الذي يشكل اساءة فادحة لكل شهداء عائلته الأبرار ومن بينهم والده محمد الصادق ذلك الرجل العظيم الذي كان قائداً عراقياً مرموقاً ولم تعرف عنه أي هفوات مذهبية وطائفية فالرجوع عن الخطأ، وبخاصة كهذا الخطأ، "فضيلة" وعليه أن يتدارك نفسه ويتخلى عن هذا الإنحراف ويتذكر أن أشقاءه قد قضوا هم أيضاً على طريق الشهادة.

إنه بإمكان مقتدى الصدر أن يغادر دائرة هذا الإنحراف التاريخي وأن يتذكر أن "زعامة" عائلته، التي في مقدمة رموزها الأبطال السيد موسى الصدر وبالطبع والده محمد الصادق وأشقاءه الثلاثة مصطفى ومؤمن ومرتضى، رحمهم الله جميعهم الرحمة الواسعة، تقتضي أن يبقى في صفوف أبناء الطائفة الشيعية الكريمة الذين تحولوا من الهتاف له إلى الهتاف ضده.. والمؤكد أنه يعرف أنَّ الشهداء من أهله الأبرار كانوا يعتبرون أن :"الحياة وقفة عز" وإن عليه أن يستدرك نفسه وأن يتراجع عن هذا الإنحراف الذي أساء به إلى تاريخ هذه العائلة الكريمة.