على الرغم مما هو معروف من أن الانقسام الفلسطيني، كان في معظم الأحيان ولا يزال، صدى أو مظهرا من مظاهر الانقسام الأوسع بين انظمة الحكم العربية بشكل أو بآخر، وهو أمر يعود في الواقع إلى عقود عدة، إلا أن الجميع يميل دوما إلى إلقاء مسؤولية استمرار الخلافات على عاتق الفلسطينيين، باعتبار أنهم المسؤولون مباشرة عن ذلك، بغض النظر عن أية تأثيرات مباشرة أو غير مباشرة لهذا الطرف العربي أو الإقليمي أو ذاك. وبالنظر إلى الأهمية التي تمثلها القضية الفلسطينية على المستويات العربية والإقليمية، على الأقل إعلاميا، ومن ثم محاولات توظيفها بشكل أو بآخر من جانب أطراف عدة، يكون الفلسطينيون آخر المستفيدين منها، كما أثبتت الكثير من التجارب.

ومن هنا يتساءل الفلسطينيون في ظل ما وصل حالهم اليه، إلى أين نسير في ظل ما تشهده حالتنا الفلسطينية من تراجع رغم حضورها القوي في المحافل الدولية؟ لا سيما بعدما شهدت فلسطين من تطورات خطيرة عبر نقل الولايات المتحدة الأمريكية سفارتها إلى مدينة القدس، وإعلان الإدارة الأمريكية بأن المستوطنات الإسرائيلية شرعية وقانونية، واستمرار إسرائيل في سياساتها من خلال الاستيلاء على الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية لصالح التوسع الاستيطاني، في ظل التصريحات الإسرائيلية بنية إسرائيل ضم الأغوار ومناطق (ج) في الضفة الغربية.

إن ما يزيد من صعوبة التحرك الفلسطيني لمواجهة الصفقة، الواقع الكارثي الذي وصلت إليه القضية الفلسطينية مع استمرار الانقسام بين فتح وحماس. السلطة بقيادة فتح عاجزة عن الفعل الحقيقي للتعامل مع الصفقة، ويكتفي الرئيس "محمود عباس"بإطلاق التهديدات من دون ترجمتها الى واقع، وحماس في موقف لا تحسد عليه، فهي محاصرة داخل غزة، ومقيدة في الضفةالغربية، وأي دعوات إلى انتفاضة جديدة من دون استراتيجية واضحة متوافق عليها، ستكون هبة موقتة، وتدخل أجيالا فلسطينية كاملة في دورة احباط جديدة.

كل المؤشرات توحي بأن هناك نقاط التقاء واختلاف بين الحركتين،لكن نقاط الاختلاف تطغى على نقاط الاتفاق، فمعالم الخلاف بين الطرفين بعضها ذا شأن تاريخي وبعضها الآخر افرزتها حالة الانقسام والاختلاف في الرؤى حول قضايا الصراع. فما افرزته نقاط الاختلاف في الرؤى يمكن حصره في البرنامج السياسي، فأحدهما يرى ان الحل السياسي السلمي والمفاوضات مع الحكومة الإسرائيلية هي السبيل الوحيد لإقامة الدولة الفلسطينية على حدود عام 1967م، فيما يرى الآخر ان المقاومة المسلحة هي السبيل الوحيد لتحرير فلسطين.

إن المخاطر المحدقة بالقضية الفلسطينية عقب إعلان الصفقة، تستوجب من فتح وحماس وضع خطة جادة متوافق عليها لبناء الخطوات للمرحلة المقبلة، وأن تهدف لقاءاتهما المقبلة إلى تحقيق هذه الخطة لمواجهة الصفقة، الأمر الذي يتطلب الإسراع في إنهاء الانقسام. دعوة الرئيس "محمود عباس" لتوجه وفد من فتح والفصائل لزيارة غزة ولقاء قادة حماس تؤسس لمرحلة جديدة، فحماس مطالبة بالتقاط دعوته لتعزيز الثقة المتبادلة تمهيدا لتحقيق المصالحة، كي يكون الفلسطينيين جميعا موحدين للتصدي لصفقة العار.

إن إعلان الصفقة يستوجب ان يدفع بالقوى الفلسطينية جميعها إلى إنجاز الوحدة وإنهاء الانقسام واستعادة البرنامج الكفاحي الفلسطيني بعد إضعافه واستنزاف مقدراته بصراعات داخلية، وإفساح المجال أمام كل القوى لاستعادة زمام المبادرة لرفض الصفقة، التي لم تبق مكانا للتمسك بحل الدولتين أو التحرير الكامل، بل إن المطلوب هو الإسراع في عقد اللقاء الوطني الجامع وإنهاء اتفاقية أوسلو.

إذا لم يستطع الفلسطينيون تجاوز الانقسام الآن في ظل هذا الظرف، فهذا يعني أنه لا أمل في حصول ذلك في أي وقت آخر، خاصة وأن الانقسام يشجع على تنفيذ الصفقة، كما أن الانقسام وسيلة بيد إسرائيل لكي تدفع الأمور نحو "دولة غزة" ومصادرة الضفة الغربية بالكامل. إنهاء الانقسام الخيار الوحيد المتاح للشعب الفلسطيني لمواجهة صفقة القرن، بعيدا عن بيانات الرفض والإدانة التي لا تغني ولا تسمن من جوع.