لست خبيرًا اقتصاديًا، فلا أعرف إن كان الأفضل على حكومة حسان دياب أن تدفع الديون الكبيرة المستحقة على لبنان من بقايا دولارات رياض سلامة التي استلفها من المصارف التجارية التي استوحتها هي بدورها من حسابي وحساب مئات آلاف أترابي اللبنانيين. ولست خبيرًا قانونيًا، فلن أفتي في ما استقر عليه رأي الثوار في ملاحقة سارقي لقمة عيشهم من وزراء ونواب ومسؤولين يمثلون نحو واحد في المئة من الشعب، حوّلوا في العام الماضي وحده 15 مليارًا من الدولارات إلى حساباتهم خارج البلاد. ولست خبيرًا بيئيًا، فلا رأي لي في المحارق والمطامر والفرز من المصدر وألوان الأكياس وحاويات المناطق الجيوسياسية. ولا أزعم أنني خبير استراتيجي فلا أكون نجم شاشات التحليل السياسي ولا أتكلم في "الاصطهاج الفكري الديمو-نفسي المتشعب في مجاهل الترشيح والترئيس وبيض القبان والفهلوة والمبادرات وركوب الثورات والشارع مقابل الشارع وزعران الخندق وسلاح المقاومة المقدس ومحكمة قتلة رفيق الحريري وفشل التسوية الرئاسية التي رفعت ميشال عون إلى مصاف الرؤساء وانبلاج فجر ثورة الجياع وما إلى ذلك من أمور بسيطة لقيطة في ساحة الصراع اللبناني التي لا ترتاح"... إف يو نو وات أي مين!!

كذلك... لا أفقه في الاقتصاد شيئًا، لا الكلي منه ولا المايكرو، ولا تدابير المصارف ولا الـ "هير كات" ولا الـ "كابيتال كونترول" ولا هندسات مصرف لبنان المالية ولا مؤامرات أصحاب المصارق التجارية، ولا أفهم تداعيات "أسانسير" جدول أسعار المحروقات الصادر في صبيحة كل أربعاء على خدمة الدين العام، ولا إرهاصات النزوح السوري على شبكة أمان اجتماعي في بلد يضم ضمانه الاجتماعي تشكيلة من آلاف الشركات الوهمية التي يستفيد منسوبوها الوهميون من تقديماته من دون دفع أي فلس، ولا حاجة لهم بذلك في الأصل ما داموا تابعين لجهة نافذة أعطتهم الـ "أمل" في ضمان صحي بلا حدود... لا أعرف أصلًا معنى كلمة إرهاصات، ترنّ في أذني كما ترنّ صاجات الرقاصات، لا أكثر ولا أقل. ولا أعرف حرفًا من كل هذه الأديان السماوية، ولا الأرضية إن وجدت، ولا أريد أن أعرفها. ولا أفقه كلمةً في التربية ولا في الصحافة ولا الإعلام، ولا في تجرد التغطية الإخبارية لثورة 17 أكتوبر المستمرة أو انحيازها.

أنا، ولا أعوذ بالله من كلمة أنا، مواطن لبناني سفيه، يتلذّذ بدوران الشتائم على لسانه، بلا "مِستحى" من الجميع، ومن دون أن يقصد قدحًا وذمًا (الله بيعلم!). فإخراج أحدهم حسان دياب أرنبًا من قبعة حزب الله خازوق دقّ بأسفل اللبنانيين جميعًا، من أيّد منهم دياب قبل من عارضه... فتلذذوا!

وتصدير سخافاتنا المالية من سداد ديون أو امتناع عن سدادها إلى بلاد الله الواسعة خازوق آخر يُدق بأسفلنا ايضًا، فما صدّرنا منذ "فينيقيا" إلى "لُبنانْيا" إلا النفايات، أكانت حرفًا فاشلًا أو مدنية غبية أو حضارة مسعورة أو مشكلات وصراعات وانقسامات وصلت مواصيلها إلى جنيف ولوزان ودمشق وبغداد والقاهرة والطائف والدوحة.

وجلوسنا، نحن اللبنانيين، في بيوتنا مستمعين إلى تحليلات الكتاب السياسيين والخبراء الاستراتيجيين ضياع للوقت، كان الأفضل صرفه جنسًا، أو استمناءً إن تعذّر.

وخوفنا على أموالنا وخروجنا نطلب محاسبتهم "كلن يعني كلن" أقرب إلى دلع الغواني ودقّ القناني منه إلى الخوف على "لقمة" اللبناني، ما دام جمع غفير قادرًا في كل لحظة على تهديد مسير الثورة كلها إن قال سيّد ما إن الثوار أبناء سفارات وأجندات، وإن سيّر بك أو أستاذ أو شيخ أو حكيم أو صهر أو غيرهم مسيّراتهم البشرية للطغيان على ساحات الثورة وخيام الثوار.

أما تمسّكنا بالإيمان كل ما دقّ الكوز بالجرّة، وبطوفان الأبانا والأذكار ليل نهار، ذاهب كله أدراج الرياح، كمن يعود من الحج ليلبي دعوة الأحبة إلى سكرة عامرة بمناسبة عودته سالمًا لم يدعسه الداعسون، أو كمن يركع للاعتراف فيعترف على غيره ويتناسى ما جنت يداه.

كلا، لا أتكلم من يأس ولا من فراغ وطني، بل من واقعية... واقعية القرف من كل من حكم لبنان، من 1943 إلى هذه اللحظة، ومن كل من شارك في إقحام لبنان في سياسات لا تريد له الاستقرار، من كتلة وحركة ومقاومة وطنية إلى جيش وشعب ومقاومة، مرورًا بجبهة ومقاومة لبنانية.

لمن يتمسّك بهذا "الوطن"، كما هو اليوم؛ بكل ديونه وأمواله المنهوبة جيشه وشعبه ومقاومته وإعلامييه، وبكل خرفانه وديابه وبرّيه وحريريّه وجنبلاطه وجعجعه وعونه فرنجيته وباسيله ومفتيه وبطركه، وبحجة أن الثورة يجب ألا تمسّ بهذا لأنه فوق القانون ولا بذاك لأنه قديس لعين، أقول: "بِلّوه..."، إف يو نو وات أي مين!