لا يمكن "تصديق" أن تنظيماً فلسطينياً عريقاً كان على رأسه الدكتور جورج حبش وضم عدداً من القيادات المرموقة قد ردّ على صفقة القرن بالمطالبة بإنهاء "أوسلو" وبالطبع وقطع العلاقة مع "الكيان الصهيوني" ، أي مع إسرائيل، والعودة للكفاح المسلح وإعتبار أميركا عدو الشعوب العربية ومواجهة "التطبيع" وشطب المبادرة العربية!!.

ماشاء الله..!! إنَّ هذا كان ممكناً في ستينات وأيضاً سبعينات القرن الماضي عندما كانت الجهبة الشعبية لا تزال متمسكة بأدبيات حركة القوميين العرب، التي مثلها مثل كل أحزاب القرن العشرين أصبحت نسياًّ منسياً أمّا وقد تغيرت الأحوال الفلسطينية وتغيرت أوضاع هذه المنطقة وأنتقل الفلسطينيون من حالة الهجرات المتلاحقة إلى وطنهم في الضفة الغربية وقطاع غزة فالمفترض ألاّ تبقى الجبهة الشعبية تتمسك بمواقف وشعارات من المفترض أنه قد عفا عليها الزمن وأصبحت نسياً منسياًّ.

إن الذين يريدون إلغاء "اوسلو" هم المتطرفون الإسرائيليون أمثال بنيامين نتنياهو وإن قطع العلاقات مع "الكيان الصهيوني" أي مع إسرائيل يعني دفع الشعب الفلسطيني إلى هجرات جديدة ويعني إقتلاعه مما تبقى له من وطنه ويعني زرع الضفة الغربية بالمزيد من المستوطنات ويعني التفريط بكل هذا التعاطف الدولي مع القضية الفلسطينية ويعني دفع العالم دفعاً إلى تبني السياسات الصهيونية تجاه هذه القضية العادلة التي حققت نجاحات هائلة منذ أن بدأت عملية السلام وعلى أساس إتفاقيات أوسلو التي ولأسباب كثيرة باتت متعثرة وعلى ما هي عليه الأمور في هذه المرحلة.

هل يعقل أن يرد تنظيم فلسطيني، يحتل الموقع الثاني في منظمة التحرير والمقاومة الفلسطينية، على "صفقة القرن" بالمطالبة بإنهاء "أوسلو" والعودة لـ "الكفاح المسلح" والتخلي عن عملية السلاموالسلطة الوطنية.. وهنا :هل يعرف "الرفاق" في الجبهة الشعبية أن هذا هو ما يريده أصحاب "صفقة القرن" هذه وما يريده المتطرفون الإسرائيليون الذين يرفعون شعار:"من البحر إلى النهر" وربما أبعد من هذا في إتجاه الشرق وحيث أن المعروف أن هناك شعاراً "صهيونياً" يقول: "من النيل إلى الفرات".

إنه على "رفاق" الجبهة الشعبية ألاّ يبقوا يتمترسون في الخنادق السياسية القديمة فالمفترض أنه معروف أن مرحلة هذه الشعارات وهذه المواقف قد إنتهت بمغادرة بيروت الغربية والجنوب اللبناني في عام 1982 وأن "العودة" إلى فلسطين وإلى الضفة الغربية كانت أحد إنجازات "أوسلو" وأنه لا يجوز العودة إلى "مضغ" هذه الشعارات القديمة التي كانت، حتى في تلك الفترة التي غدت بعيدة، بمثابة "هذيان" ثوري كانت نتائجه كارثية ووخيمة.

ثم وأن السؤال الذي لا بد من طرحه هو : من أين يريد "رفاق" الجبهة الشعبية يا ترى ممارسة "الكفاح المسلح" بينما المستوطنات الإسرائيلية تتكاثر وتتوالد يومياً وبينما الجيش الإسرائيلي ينتشر ويرابط في كل متر مربع من الضفة الغربية؟

الآن غدت هناك مرحلة فلسطينية جديدة وحيث أن هذه الشعارات التي بادر إلى طرحها رفاق الجبهة الشعبية رداً على "صفقة القرن" غدت مجرد "هلوسات" سياسية فالمطلوف في هذه المرحلة هو الحفاظ على كل هذا التعاطف الدولي مع الفلسطينيين وقضيتهم والمطلوب هو الحفاظ على "أوسلو" وهو المزيد من كسب الإسرائيليين الذين باتوا يؤيدون حق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة في الضفة الغربية وبالطبع والقدس وأيضاً في قطاع غزة.