لاشك ان عصرنا عصر الاعلام بامتياز ، بفضله تداخل الزمن وتقاربت المسافات واصبح العالم قرية واحدة ، بل بيت واحد ، لاشيء يخفى عن عيونه المراقبة النافذة الى عمق الاشياءبتفاصيلها الدقيقة وما تخرج منها من اشارات او تدخل فيها ، سواء في الكون الواسع او في داخل الانسان ، فهو المتابع الامين لكل شاردة وواردة تصدر عنه ، حتى تقاسيم وجهه ، حزنه وفرحه ، بكائه وضحكته وقوته وضعفه ، وشجاعته وجبنه ، كل شيء فيه اصبح مكشوفا امام وسائله الخارقة ، كأنه كتاب مفتوح ، يكفي ان تضغط على زر صغير حتى يظهر لك الحقائق الغائبة كلها بومضة عين ، وتطلع على صدق الصادقين وكذب الدجالين وفساد المفسدين ، الكل يظهر على جوهره وحقيقته ..

بفضله ، لا تحتاج الى مغامرات كولمبس ولا رحلات ابن بطوطة لتكتشف قارات جديدة ومدن مجهولة ولا الى تجارب "بافلوف"او"فرويد" لتغور في اعماق النفس البشرية ، كل شيء جاهز ومكشوف و"مقشرمثل اللوز" وما عليك سوى ان تمرر اصبعك الصغير على الجهاز لتنقلك الى عالم الحقائق والاكتشافات! الاخبار المصورة تأتيك طازجة وحية من موقع الحدث مباشرة ، وعبر الاثير ، كما هي وبدون تعليق ، او رتوش ، لان الصورة واضحة ولا تحتاج الى تفسير .. فماكنت تقرأه بالامس في الصحف والجرائد وتنتظر لحين طبعها لتستشف منه العلوم والمعارف والمعلومات اليومية ، اليوم تحصل عليها في المواقع الالكترونية او في القنوات الفضائية او في القنوات التواصل الاجتماعي"الفيسبوك"و"التويتر"، وانت جالس في بيتك..

فاذا كان الزعيم المفدى والقائد الضرورة او المسؤول اللص ، يستغفل شعبه ويسرقه ويخدعه بشعارات اسلامية وعروبية و"كردية" وعبر اتفاقات وتحالفات خارجية مشبوهة او انقلابات دموية ليحقق مآربه الخاصة ومصالحه الحزبية والشخصية المريضة ويمارس التضليل ضد شعبه ، فان عليه منذ الان ان يحسب حسابا دقيقا لكل خطوة يخطوها ويراقب كل كلمة او تصريح يدلي به ، لانه مرصود ومراقب بالصوت والصورة من قبل ملايين الملايين من الناس!..

وما كان يفعله بالامس من اعمال مشينة في السر ولا يريد ان يطلع عليها الناس سابقا ، اليوم لا يجرؤ على التفكير فيها خوفا من العقوبة والفضيحة ، كل شيء اصبح واضحا واللعب باتعلى المكشوف! الفاسد لم يعد شريفا والعميل لم يعد وطنيا والهزيمة لم تعد نصرا والجبان الرعديد الذي يتمترس خلف الشجعان لم يعد بطلا مغوارا ، الاعلام اسقط الاقنعة عن وجوه اللصوص والقتلة وادعياء الدين والوطنية والعروبة والطائفة ، وبفضل الاعلام ادرك العراقيون والعالم اجمع ماهية الاحزاب والميليشيات الطائفية المجرمة التي تحكم العراق والاهداف الخبيثة التي تسعى لتحقيقها والاجندات الخارجية التي تريد تنفيذها ، لهذا نرى الشباب قد رصوا صفوفهم وهبوا هبة رجل واحد لتخليص البلاد من شرها ووأد مخططاتها التدميرة وقد عقدوا عزمهم على الاطاحة بها وطردها وتطهير البلاد منها مهما كانت التضحيات!