"لماذا لا نلجأ إلى مقاطعة البضائع الأميركية؟".. تساؤل طرحه أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله في خطابه الذي شّن فيه هجوماً عنيفاً على الولايات المتحدة الأميركية.

حسناً، نعم إنه لتساؤل مشروع، لماذا علينا أن نبقى تحت رحمة الدولار الذي يُذل اللبنانيين على أبواب المصارف ومحلات الصيرفة وفي الخارج، وكاد أن يذلهم مرة جديدة على أبواب الطائرات لولا تراجع الميدل إيست عن قرارها بالتعامل حصراً بالدولار!

ولكن مهلاً، هل الدولار هو الذي حولّنا إلى بلد منهوب! لا إنهم السياسيون الذين أمعنوا منذ ثلاثين عاماً على سرقة البلد وإبرام الصفقات على حساب كهربائه ومائه وحتى نفاياته... ومن بين هؤلاء السياسيين أقرب الحلفاء إلى السيد نصرالله... فيا ليته قبل أن يغدق علينا بالتصريحات المعادية لأميركا واقتصاد أميركا، أن يرفع غطاءه عن الفاسدين من حلفائه... عندها علّ هذا البلد الصغير يستعيد بعضاً من أمواله المنهوبة، ويتمكن من سداد ديونه المتراكمة والخروج من جحيمه الاقتصادي!

بالعودة إلى هذا العداء المستشرس لأميركا، حسناً إنه لتساؤل مشروع لطرف قطع كل صلات اتصاله مع من يصفها بـ "الشيطان الأكبر" ولكن المصيبة في تعاطي حزب الله مع الأمور هي في إزدواجية المعايير... من جهة أميركا شيطان يجب قتاله ومن جهة أخرى تهرع بيئة حزب الله إلى أميركا وتتفاخر بذلك... وهاتان عينتان عايشتهما شخصياً!

عندما سافرت أول مرة إلى أميركا، وفيما كنت في السفارة أنتظر دوري للحصول على تأشيرة الدخول لفتني وجود عدد كبير من السيدات المحجبات في صالة الانتظار؛ وبحسب معرفتي البسيطة بالفرق في شكل الحجاب، بدا واضحاً أنهن ينتمين إلى الطائفة الشيعية الكريمة، وفي ذلك الوقت كان الرابط تلقائياً بين المتدينات وحزب الله.

قبل ذلك بفترة وجيرة، قام أحد أساتذة الجامعة اللبنانية، والذي كان متعصباً جداً لحزب الله، بإسقاط طالب في مادته فقط لأن هذا الطالب ينتمي إلى جهة سياسية مناوئة لحزب الله؛ ولاحقاً اعترف لهذا الطالب بأن ميوله السياسية مستفزة! هذا الأستاذ نفسه كان يفاخر بأنه خريج جامعة في أميركا، على اعتبار أن التخرّج من بلاد العم سام هو امتياز أكاديمي على الخريجيين المحليين.

ما المشكلة في ذلك؟ لا مشكلة لو تلازمت التصريحات مع الأفعال... المشكلة في الازدواجية بين المواقف والسلوكيات... علماً أن ازدواجية المعايير هذه برزت وتبرز في الكثير من مواقف الحزب!

ما علينا.. نعم لم أعرف إن كانت النساء اللواتي رأيتهن في السفارة يملكن الجنسية الأميركية أو يذهبن إليها سياحة أو زيارة عائلية.. ولكن استوقفني المشهد، كما استوقفني تفاخر الأستاذ الجامعي. وهذا إن دلّ على شيء، فعلى أن حتى الفئات المعادية لأميركا تقصدها متى ما سنحت الفرصة وربما تجد فيها موطناً بديلاً، والأسباب كثيرة!

منذ بضعة أشهر وفي حديث عن الوضع اللبناني مع قريب ولد ويعيش في أميركا، تلقائياً أخذ الحديث منحى المقارنة بين الحياة في لبنان وتللك في أميركا.

قال إن أميركا فيها الكثير من الفساد، وعندما رحنا نفنّد المعطيات، بدا البلد الذي بالكاد يظهر على الخريطة متقدماً على دولة الـ 52 ولاية بأشواط في إبداعات الفساد.

وخلال المقارنة، حدثنا عن ارتفاع الجريمة في أميركا، وذلك يبدو واضحاً في الأفلام التي تغزو العالم. وهنا علّق: "نعم هي تشجّع، تفتح أبوابها للأدمغة والمميزين من كل العالم تعطيهم وتستفيد من طاقاتهم... إلا أنها تشجّع على كل شيء.. تشجعك على الطموح والابداع وتشجعك على الجريمة"..

حسناً ماذا عن لبنان؟ على ماذا يشجّع؟ في هذا البلد المنظومة القائمة تُحبط الفكر والابداع وتشجّع على الفساد والبلطجة تحت مسمى الشطارة! طبعاً لا يسعنا التعميم ولكن هذه العقلية هي الطاغية.

في لبنان المنظومة السياسية لا تريد للشعب حتى أن يفكّر، فالفكر يهدّدها ويهدّد وجودها!

لماذا أميركا دولة عظمى تحكم العالم ولبنان بلد نامٍ ينحدر نزولاً؟ لأن السياسة الأميركية تعمل على استقطاب الأدمغة من كل أنحاء العالم والاستفادة منها للتطوّر، والسياسة في لبنان تهجّر الأدمغة وتضيّق الخناق على من بقي... أميركا ليست ملاكاً وهي تعمل وفق أجندات بعيدة المدى، خصوصاً في سياساتها الخارجية؛ ولكن ما سلف أعطاها تميّز الدولة العظمى، فيما بلدنا يتخبّط في أتون العالم الثالث!