يكاد ينقضي الربع الأول من العام الجديد، شهد أحداثاً هائلة يخيّل إلى الأذهان أنها تحتاج أعواماً لوقوعها، ولكنها بداية متوقعة وسط زحام الأحداث والوقائع، وانسجاماً مع وتيرة ما تشهده منطقتنا بالتحديد من واقع آيل للتبلور والاشتعال، إيقاع الأحداث في هذه البقعة من العالم يرتفع بلا نية للهدوء.
كانت أحداث الشهر الأول من هذا العام، إما جزءاً من تسلسل أحداث قائمة بالفعل، أو اندلاعاً لأخرى تنضم إلى بقية ملفات المنطقة المتعثرة والمكدسة، أو فاصلة في جملة عريضة تأتي عنواناً لواقعة ما أو حدث معين.

هذا العام برمته يشكل خاتمة عقد انتهى، وبداية عهد ينبلج في عمر هذه المنطقة، باب يوصد عن عشر سنوات شهدت فيها المنطقة الكثير من الأحداث الجسام، وكوّة تنفرج لاقتحام عقد جديد، يؤمل أن يكون أكثر سلاسة وأقل أعباءاً، سيما وأن هذا العام سيشهد مضيّ سنوات على كثير من الأحداث التي نعيش اليوم نتائجها أو ضمور فعاليتها في مجالات متعددة.
يحمل العام ٢٠٢٠ كثيراً من التحولات والأسئلة المفتوحة التي تدخل ضمن نظرية التحولات الكبيرة كل جيل، وكذلك إيذاناً ببدء الألفية الثالثة للقرن ٢١.

يسجل العام الجديد، مضيّ ٤٠ عاماً على حرب العراق وإيران، وسيرة طويلة من التحولات في طبيعة العلاقة بين البلدين، سيما العراق التي تشهد انتفاضات شعبية ترفض سيطرة ونفوذ الجمهورية الإيرانية في مفاصل البلاد، بعد أن استثمرت عميقاً في بنية المكونات الاجتماعية والميليشياوية لإطالة عمر نفوذها في البلد الذي كان يوماً، جدار الصد للعالم العربي من تغول المارد الإيراني، الكثير من المياه جرت تحت جسر العلاقات ولا زالت بغداد تحاول وتنازع لتتخلص من الجاثوم الإيراني على صدرها.

كما يسجل مرور ٣٠ عاماً على غزو واحتلال صدام للكويت، لم ينتهي الخطر تماماً، وبقيت الكويت تنظر بترقب إلى مكونات عراقية ترتهن لطهران، وهي تلقي بحمم تصريحاتها الهوجاء عن استهداف الكويت والزحف باتجاهها خدمة لمشروع توسعي تحمل رايته طهران ولا يراعي أعراف الدبلوماسية ولا منطق السياسة، وتحتفظ الكويت وسط كل هذه الجعجعة الكلامية باعتدالها واتزانها في التعامل مع كل التحديات والمخاطر المحتملة برجاء أن تنكشف الغمة وتذهب رياح الخطر بعيداً عنها.

بحلول العام الجديد، تطوى عقدين على اعتداءات ١١ من سبتمبر، ذلك الحدث المفصلي الذي جرح الكبرياء الأمريكي في عقر داره، وجرّ على المنطقة ويلات مرحلة زمنية قاسية، أثخنته ببؤر الفوضى والقلق والاضطراب، وحكمت عليه بالانهيار المؤبد، منذ اندلاع حرب أمريكا الأطول في أفغانستانوالعراق.
وشهد العقد المنصرم مفارقة عجيبة، إذ سجل بدايته مقتل زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن، وبداية ضمور التنظيم الأكثر شهرة وانتشاراً في العالم، وسجلت نهاية العقد مقتل زعيم تنظيم داعش أبوبكر البغدادي أكثر تنظيمات التطرف وحشية ودموية، دون إشارة قاطعة ولا كافية بنهاية عصر الإرهاب وخلاص العالم منه بالضرورة.

ويسجل العام الوافد على أيام العرب، نهاية عقد ما يسمى " الربيع العربي " بكل اندفاعاته وانزلاقاته، آماله وآلامه، بحطام الأحلام التي تكسرت على صخرة الواقع، وبالمنصات الواهية التي اعتلى فوقها الإسلاميون، على أكتاف شعوب مغلوبة، بحثت عن مخرج من انسداد الأفق وضيق الحال، قبل أن تلتقطها جماعات الإسلام المؤدلجة ورعاتهم من يسار العالم الأول، قبل أن تنزلق المنطقة في موعد آخر للخراب، لا تزال تئن منه وتحنّ إلى الخلاص العسير.

وكما سجل بداية العقد اندلاع انتفاضات الربيع العربي، وكل ما عقبها من نتائج وتبعات، سجلت نهاية العقد موجة جديدة في السودان والجزائر ولبنان والعراق، بتفاؤل أقل وحماس منخفض، على أمل أن يأتي العام الجديد مختلفاً، ينهي المحنة العربية مع نهاية عقد مرير ومؤلم في حياة الشعوب والأوطان العربية.

لم تشهد القضية الفلسطينية عقداً خاسراً مثل العقد الماضي، بانخفاض الكثير من حضورها في نفوس العرب تحت ضغط قضاياهم المحلية، وتسجيل إسرائيل للكثير من المكاسب على الأرض عبر هبات أمريكية متعجرفة أو عبر سياسة الأمر الواقع التي تتحكم بها تل أبيب، فيما الفلسطينيون عاجزون وفاقدون لبوصلة العمل والخروج من أزمتهم وانسداد الأفق في قضيتهم، سوى حالة الانقسام والتشرذم بينهم في إطار تعثر الحالة الفلسطينية والعجز عن اجتراح نافذة لأي حل ممكن.

تعتبر العشرية الماضية، عقد منصات التواصل الاجتماعي بامتياز، فتحت آفاق للحرية كانت مفقودة تماماً بين يدي العوام، تركت تأثيراً عميقاً في طبيعة العلاقة بين مكونات المجتمعات العربية، وشرارة لاندلاع ظواهر سياسية واجتماعية كبرى في حسابات المنطقة، لم ينتهي العقد قبل أن يتحول هذا الفضاء إلى عالم مسموم بإكراهات التوظيف السياسي والغزوات الأيدلوجية وغياب الضابط الأخلاقي والقانوني عن حراكه المفتوح على عواهنه، وحتى يستعيد هذا الفضاء اعتدالته وسويّته، وإلا فأن شهية المستقبل مفتوحة لاختراع منصات جديدة تعيد تعريف العلاقات والروابط بين الناس.