حين يردد قاده‌ إقليم كردستان تلك الأسطوانة المشروخة التي تقولبأن هناك مخاوف على حقوق الكرد الدستورية، لا أستطيع أن أتمالك نفسي من الضحك. فهذه الأسطوانة ليس في الحقيقة سوى ضحكا على ذقون شعب كردستان !. أما قولهم المكرر الآخر، بأن هناك مؤامرة ضد الكرد في بغداد، فإن هذا القول يجعلني أقع على قفاي من الضحك. لأني لا أعرف ماذا حققت إدارة الإقليم من الرقي والتقدم حتى تحسدنا عليهما بغداد وتتآمر ضدنا !!.

فهل حققنا تقدما في مجال التعليم بما يضاهي مستوى التعليم في السويد ؟. أم أن نظام الرعاية الصحية في كردستان أصبح ينافس ماهو معمول به في سويسرا ؟. أم تراهم يتحدثون عن بناء مفاعلات نووية لتوليد الطاقة الكهربائية بديلا عن المولدات الأهلية التي ماتزال توفر ساعات تجهيز أكثر من الكهرباء الوطنية ؟. ولا أخالهم يمنون علينا بأنهم حققوا تقدما في مجال الانتاج الزراعي وبناء المصانع وتوفير الخدمات البلدية وتحسين مستوى المعيشة.

لمن لايعرف فأن هذه الحكومة الخاوية خزينتها من الأموال ، مازالت لحد اليوم عاجزة تماما عن دفع رواتب موظفيها من دون الحصة التي تدفعها بغداد كل شهر، على الرغم من أن هذه الإدارة " العظيمة " تصدر 600 ألف برميل من النفط يوميا، ولكن إيراداتها تذهب جفاء، ويمكث دخانها على الأرض !.

فلولا " صدقات " بغداد الشهرية، لأصبح الناس في كردستان على الحديدة !!..ودعونا ندخل بالموضوع : فشلت الحكومة التي شكلها محمد توفيق علاوي من نيل ثقة البرلمان بسبب مقاطعة الكتل الكردية لجلسة منح الثقة. وعلى الرغم من أن التشكيلة التي أعلنها علاوي كانت برأيي الشخصي من أفضل التشكيلات الحكومية التي تأسست في العراق منذ إنقلاب 17 تموز وبعد الإحتلال، بالنظر لما ضمتها من شخصيات عراقية محترمة ومستقلة بعيدة عن المحاصصات الطائفية والقومية البغيضة، لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو، ترى لماذا عارض الكرد هذه الحكومة وحاولوا إسقاطها في البرلمان ؟.

بحسب تصريحات النائب البرلماني من حركة التغيير الأستاذ كاوة محمد الذي كتب مقالا بهذا الصدد. يقول فيه " أن السيد علاوي تعهد للجانب الكردي بأن يواصل إرسال الحصة الكردية من ميزانية الدولة لدفع رواتب موظفي الإقليم حتى لو اضطر الى التسول. مع تأكيده على دفع جميع مستحقات الفلاحين الكرد المتوقفة عن الصرف منذ أربع سنوات. وتعهد كذلك بالإستمرار في دفع رواتب البيشمركة وادخالها ضمن ميزانية وزارة الدفاع، وأخيرا تفعيل العمل بالمادة 140 الدستورية المتوقفة منذ أكثر من أربع عشرة سنة وخصوصا في مجال حماية أمن وإستقرار المناطق المتنازع عليها ". ويشير النائب الى أن السيد علاوي أبلغ الجانب الكردي بأنه مستعد لكتابة تعهد خطي بهذه الإلتزامات.

ولمن لايعرف طبيعة الخلافات المزمنة بين أربيل وبغداد، فإن هذهالعروض التي قدمها السيد علاوي تعتبر مكاسب لم يحلم بها أي من قادة إقليم كردستان منذ سقوط النظام السابق. ومع ذلك فإن الكتل الكردستانية إمتنعت عن دعمه داخل البرلمان تحت ضغط حزب مسعود البارزاني الذي رفض تأييد علاوي لمجرد أنه لم يحقق مطالبه فيما يتعلق بالمناصب الوزارية !!.

وكان مسعود البارزاني قد أصدر بيانا عقب إنسحاب علاوي من تشكيل حكومته مهللا ومشيدا بموقف الأحزاب الكردية التي ساندته في موقفه الرافض لحكومة علاوي !!..

لقد قلت مرارا وتكرارا بأن الدكتاتورية ليست جينات أو كروموسومات تنتقل بالوراثة، بل أن الدكتاتورية تصنعها الشعوب بنفسها، والتخاذل المريب للأحزاب الكردستانية أمام حزب البارزاني هو الذي دفع ويدفع هذا الحزب الى تسيد الساحة السياسية والإنفرادبالقرارات المصيرية للشعب الكردي، ولذلك فإن اللوم لايقع على حزب البارزاني وحده ، بل اللوم كله يقع على عاتق قيادات الأحزاب المتخاذلة والراضية بمرجعية البارزاني في القرارات السياسية بالإقليم .

طبعا موقف مسعود البارزاني من تشكيل حكومة علاوي له أسباب عديدة، لعل أهمها هو عدم محاولة علاوي بالحصول على مباركة البارزاني لتشكيل الحكومة، ثم معاندته في رفض مرشحي حزبه بالحكومة. والأهم من ذلك أن البارزاني أراد بهذا الموقف أن يبلغ القوى العراقية بأن مرجعية القرارات السياسية الكبرى في العراقمازالت في أربيل وليست في بغداد، وبهذه الأسباب يتضح لنا أن السيد البارزاني وضع مصلحته الشخصية والحزبية فوق المصالح العليا لشعبه برفض كل تلك العروض المغرية من مرشح رئاسة الحكومة القادمة لتحسين أوضاع الشعب الكردستاني.

لقد أفشل البارزاني أول محاولة حقيقية لتصحيح مسار العملية السياسية في العراق، وبالتأكيد ستظل هذه العملية تراوح في مكانها وستتأرجح لفترة أخرى بين مصالح المافيات الحاكمة وصيغة المحاصصة الطائفية والقومية. والأهم من كل ذلك فإن الشعب الكردي لن يجني من هذا الموقف الغريب لبارزاني سوى المزيد من المواقف العدائية من قبل الكتل الشيعية التي ساندت ترشيح علاوي وقد تصل الى حد وقف تمويل حكومة إقليم كردستان لدفع رواتب الموظفين والذي ستكون له تداعيات خطيرة جدا في حال تكراره.

أما بالنسبة للعراقيين فلم يبق أمام محتجي شوارع البلاد غير أن يأخذوا زمام المبادرة بأيديهم لتغيير شامل لهذه المهزلة المسماة بالعملية السياسية في العراق.

بيدهم، لا بيد عمرو.