حقق نائب الرئيس الأميركي السابق جو بايدن تقدمًا كبيرًا في انتخابات الثلاثاء الكبير، التي وصفت بالحاسمة في اختيار المرشح الديمقراطي لمواجهة الرئيس الجمهوري دونالد ترامب في الاستحقاقات الرئاسية العام الجاري. وقد اسفرت انتخابات الثلاثاء في 14 ولاية، عن فوز بايدن في 9 من هذه الولايات، وبذلك تكون المنافسة بين المرشحين الديمقراطيين قد أصبحت محصورة عملياً بين اثنين، هما بيرني ساندرز وجو بايدن.

ويرى مراقبون أن بايدن أصبح في طليعة السباق الرئاسي لنيل ترشيح الحزب الديمقراطي، فهو يوصف بالديمقراطي المعتدل، ويمتلك تجربة عميقة ثرية في الخدمة العامة ، و قد شغل منصب نائب رئيس الولايات المتحدة من عام 2009 إلى 2017، ونائب عن ولاية ديلاوير من عام 1973 إلى 2009 . وقد تمثل هذه الخطوة الفرصة الأخيرة للسياسي البالغ من العمر 76 عاما للفوز بالمنصب الذي يتطلع إليه منذ أكثر من 30 عاما، حيث خاض من أجله حملتين سابقتين. كما يعد المرشح الابرز لدى التيار الكلاسيكي للديموقراطيين و "الأوفر حظًا" لأسباب عديدة أهمها:

أولا: إن طروحات بارني ساندرز منافس بايدن لا تتماشى مع مسار الديموقراطيين، لا سيما رؤيته الاجتماعية وسياساته التي وصفت ب"الاشتراكية " وفق رؤية رموز بازرة من أعضاء الحزب و الكونغرس . ولطالما وُصف ب"المتمرد" على القيادة الحزبية لتبنيه رؤية "يسارية" في معالجة الكثير من القضايا الاقتصادية.

ثانيًا : إن أولوية الديموقراطيين الآن تتجلى في دعم مرشح يكون قادرًا على استمالة أكبر قدر من الناخبين المحافظين المعتدلين المنزعجين من أداء ترامب وهذا لن يتحقق ما لم يقدم الحزب شخصية معتدلة تكون قادرة على الحاق الهزيمة بترامب في الانتخابات الرئاسية القادمة . وَيعد بايدن الأقرب الى تلك الشريحة من المحافظين فعلى الرغم من كونه "ديموقراطي" إلا أنه يلتقي مع المحافظين في مواطن عدة، وكان نقطة الوصل بين الحزبين في مراحل سابقة ، فقد كان عراب التفاوض مع الجمهوريين في الكونغرس من أجل تمرير تشريعات هامة، مثل قانون إعانات الضرائب والتأمین ضد البطالة وخلق فرص العمل في عام 2010، وقانون مراقبة الموازنة لعام 2011، وقانون إعفاء دافع الضرائب الأمريكي لعام 2012. إضافة إلى مواقف بايدن إزاء الحدّ من الهجرة والتي تلائم مزاج الناخبين البيض، فقد صوت لقانون السياج الآمن في 2006، والذي ينص على بناء جدران إضافية وحواجز على طول الحدود الأميركية المكسيكية . فهو يتفق من حيث المبدأ مع الجمهوريين بضرورة ذلك وان كان اختلف معهم في آلية التنفيذ، حيث أشار حينها "إننا نريد أمنًا على الحدود، ولكن هذا النوع من الأمان الحدودي ليس هو الذي نحتاج إليه".

ثالثًا: يسعى الحزب الديموقراطي إلى توحيد صفه بالالتفاف حول بايدن عبر الضغط على المرشحين الديموقراطين الاقل حظًا بالانسحاب ، حيث انسحب ثلاثة مرشحين من طريقه مطلع الشهر وهم بيتر بوتيجياج وآمي كلوبوشار وتوم ستاير، بهدف تجيير أصواتهم ومؤيديهم لصالحه ، لينضم فيما بعد مايك بلومبرغ الى قافلة المنسحبين عقب أداؤه المتواضع في الثلاثاء الكبير ويعلن عن دعمه لبايدن حيث قال :" بعد نتائج الثلاثاء أظهرت الأرقام أن فوزي بالترشيح أصبح مستحيلاً. ولطالما اعتقدت أن هزيمة دونالد ترمب تبدأ من خلال الالتفاف حول مرشح يستطيع هزيمته. وقد أظهرت نتائج الثلاثاء الكبير أن هذا المرشح هو صديقي، الأميركي الرائع، جو بايدن".
أخيرًا، وعلى الرغم من كل المعطيات السابقة التي ترجح فوز بايدن كمرشح ديموقراطي "قوي " في مواجهة ترامب إلى أنه لا يمكن الحسم في النتائج التي ستحملها الأيام القادمة، فما شهده الداخل الأميركي في الانتخابات النصفية لأعضاء الكونغرس الأخيرة، أعطى مؤشرًا واضحًا على المتغييرات الجذرية في قواعد كلا الحزبيْن الديموقراطي والجمهوري على حدٍّ سواء، حيث خرجت القواعد الشعبية عن رغبات قياداتها من التقليدين الوسط، و أظهرت النتائج تزايد سيطرة التيار اليميني عند الجمهوريين، في حين تنامى تيار "شبه يساري" لدى الديموقراطيين متمثلا ببرني ساندرز.

وفي وقت تبذل قيادات الحزب الديموقراطي قصارى جهدها للخروج بمرشح يضمن لها المنافسة الحقيقية في الانتخابات الرئاسية لمواجهة ترامب، فإن الاحتمالات تبقى مفتوحة على كافة المفاجآت غير المتوقعة ، وسط مخاوف حقيقية من وصول بارني ساندرز الى النهائيات مما يرجح خسارة الديموقراطيين في معركتهم ضد الجمهوريين في الانتخابات الرئاسية .