ما كان يجب أن يُقحم غسان سلامة نفسه في قضية معقدة وشائكة كالقضية الليبية فهذه "الوساطة" التي قام بها كان معروف ومتوقع أن تكون نهايتها هي هذه النهاية وهذا ليس لأنه ليس "كفؤاً"..لها ولأكثر منها ولكن لأن تداخلات الوضع الليبي المستجد كان منذ البدايات، أي منذ التخلص من معمر القذافي بتلك الطريقة المرعبة، أكثر تعقيداً من "ذنب الضب" كما يقال وإن التعاطي معه بحاجة إلى قادة "ميلشياويين" وليس إلى من هو في هذه المواصفات الثقافية والأخلاقية أيضاً التي تهيئه لأن يكون أميناً عاماً للأمم المتحدة.

إن المعروف أن ليبيا هذا البلد العربي الذي كان عنوانه ما قبل المرحلة القذافية التي لا ضرورة للخوض في ما هو لها وما هو عليها، إدريس السنوسي والمجاهد الأكبر الشهيد عمر المختار والذي لا يعرف كثيرون عرباً وغير عرب أنه قد برز من بين أبنائه خيرة المثقفين وأفضل المبدعين وأيضاً العديد من الرموز القومية الفعلية التي تم إخفاؤها في المرحلة "الجماهيرية" التي لا يزال لم يُقلْ ما هو لها وما هو عليها حتى الآن.
والمعروف، إلا لمن لا يريد أن يعرف، أن غسان سلامه قد تم تكليفه بمهمات معقدة وصعبة كثيرة وأنه وهو الأستاذ الجامعي المبدع قد نجح فيها كلها وحقيقة أنه كان من الممكن أن ينجح في مهمته "الليبية" الأخيرة هذه لو أن هذا البلد لم يتحول في المرحلة القذافية إلى "جماهيرية" فوضوية لا قرار فيها إلاّ قرار معمر القذافي ولو أنه لم يتحول إلى ما هو عليه الآن من تشظيات بعضها إرهابية وكما هو واقع الحال في طرابلس التي ألحقها فايز السراج بمشاريع رجب طيب أردوغان "العثمانية"!

لقد بذل غسان سلامه جهوداً خيرة وفي الإتجاهات الصحيحة كلها لكنه ما كان يمكن أن يحقق أي شيء مما كان يريد تحقيقه مادام أن هذا البلد الذي بقيت تحكمه الفوضى غير الخلاقة ولسنوات طويلة والذي ما لبث أن تحول إلى "تشظيات" أخطرها التشظيات "الإرهابية" وحيث أن العاصمة طرابس (الغرب) قد تحولت إلى قاعدة كبيرة للإرهابيين على رأسها فايز السراج الذي أصبح تابعاً للرئيس التركي رجب طيب أردوغان المصاب بعقدة إستعادة أملاك "الدولة العثمانية".

وهكذا فإنه، بعد تجربة مرة بالفعل، ما كان أمام هذا المثقف والمبدع الكبير إلاّ أن يتنحى ويترك هذه المهمة لغيره من القادرين على التعاطي مع مثل هذه الأمور المعقدة والتي يحتاج التعاطي معها ليس إلى حملة أعلى الشهادات الثقافية الكونية وإنما إلى من لديهم خبرات طويلة في التعاطي مع كل ما أصبحت عليه أوضاع العديد من الدول العربية ومن بينها بالطبع "الجماهيرية العربية الليبية الشعبية الإشتراكية".