لاشك بأن كل إنسان يؤمن بقيمة العلم وأهميته ودوره الكبير في حياة الإنسان وسعادته ومحاولة حل المشكلات التي تعتريه وتعتري البيئة التي يعيش فيها، وهناك من يؤمن كذلك بالفلسفة وأنها لم تمت باستقلال العلوم وتأسيسها وأنه لا زال وجودها بنظرياتها ومذاهبها عاملاً مساعداً في تطوير العلوم وتلعب دوراً رئيسياً في صناعة العقل الباحث الذي لا يمل من السؤال.

الغريب في الأمر هو أن نجد من يحارب الدين لذاته بحُجَّة أنه سبب في تخلُّف الشعوب وصناعة شخصيات متطرفة، وفي نفس الوقت تجده يؤمن بالفلسفة والعلم، رغم أن العلم والفلسفة قد تحويان ما يمكن أن يؤدي إلى التطرف"عندما تقعان ضحية لنوع معين من الأيديولوجيا" على سبيل المثال: القنبلة الذرية التي أُلقيت على مدينة هيروشيما، ألم يكن العلم والعلماء هم من وقفوا خلفها؟ ألا يعني هذا أن العلم والعلماء تم توجيههم وتدجينهم من قِبل السياسيين ليتم نزع الإنسانية من قلوبهم ليشتركوا معهم في تدمير أرواح بشرية بصورة في غاية البشاعة والإجرام!؟

أقول بعد كل هذا: إن الدين كان ولا يزال وسيظل ضرورة للإنسان، فالدين حقيقة أزلية وشعور متجذِّر في نفس الإنسان، في الدين نجد الإجابة على سؤالي:
لماذا أتيت؟ وإلى أين سأذهب بعد الموت؟

ومن خلال تلك الإجابة يتأسَّس المعنى الشامل لوجود الإنسان، فيشعر بالراحة وتهدأ عواصفه العقلية ويبدأ في الالتفات لإيجاد معاني أخرى لحياته الدنيوية: (ولا تنسَ نصيبك من الدنيا) القصص، ٧٧. فيُقبِل على دنياه وكأنه بالفعل مُخلَّد فيها! وهنا يكون بالفعل: (المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف) صحيح مسلم، ٢٦٦٤.

وعلى هذا يكون الدين هو المعنى الرئيسي الذي به توجد وعليه تترتب المعاني الحياتية الأخرى. والدين هو الطريق المؤدي إلى الله، ولا يمكن أن يُعبَد الله بلا دين،
ومن يزعم أن الإيمان بالله دون دين يكفي فهو كمن يقول بأن رؤية الماء تكفي للعطشان دون الحاجة للشرب! من أحبَّ أو كرهَ فلا بد أن يترتب على هذا الحب أو الكره أعمال، على سبيل المثال: عندما يحب الرجل زوجته فإنه سيكون وفيِّاً لها وسيعمل على إسعادها، أما إذا كرهها فإنه سيطلقها أو ستكون العلاقة بينهما في حالة فتور، كذلك الإيمان أو الكفر يترتب عليهما أعمال، فإن آمن الإنسان بالله فإنه لابد عليه من القيام بما يرضي الله من أعمال(التعاليم الدينية من أركان وواجبات)، وإن كفر فإنه لن يبالي بتلك الأعمال وسيترتب على كفره غالباً أفعال الشر تجاه نفسه وتجاه الآخرين، لأن من أخلَّ بالإيمان بمن خلقه وأوجده وكفر به وجحده لن يكون وفيِّاً لأي شخص آخر.