لم تشهد أي دولة من الدول التي ظهر فيها فيروس الكورونا، موجة من السخرية والاستهانة بالفيروس، كما فعل المصريون.. تري لماذا؟
لقد تحولت قصة الفيروس في مصر إلى موجة من الكوميديا الساخرة، نشاهد فصولها يوميا على كل مواقع التواصل الاجتماعي، لقد سخر المصريون من الفيروس، كما سخروا من وزارة الصحة وضعف الإمكانيات التي لايمكن معها أن تنجح في مقاومة فيروس جديد، بل سخروا من الوزيرة نفسها منذ أن ارتدت كمامة بشكل خاطئ، بما يعطي انطباعاً بأن أكبر رأس مسؤولة عن الحفاظ على صحة المصريين لاتعي قواعد السلامة الطبية التي من المفترض إنها تدربت عليها، ثم قيامها بزيارة الصين دون سبب واضح، فيما اختلفت التأويلات المضحكة حول سبب الزيارة.. فقد ذكرت صحيفة الجمهورية المصرية أن الوزيرة ذهبت لتسلم الصين مصل مصري يقضي على كورونا!!، بينما قال آخرون إنها من أجل إظهار الدعم المصري للصين!!، ورأى نشطاء على مواقع التواصل إنها ذهبت للحصول على أجهرة كشف الفيروس التي تعاني من نقصانها الوزارة، أما أنصار الفكاهة فكان لهم رأي آخر فقد قالوا : إنها ذهبت لإحضار الفيروس من هناك بنفسها.
الواقع أن سخرية المصريين هذه لم تأتي من فراغ، فهذا الشعب الذي عانى عبر تاريخه إهمالا في كل الخدمات التي يحتاجها الإنسان من الدولة خاصة الطبية والتعليمية، تحولت معاناته إلى سخرية، وهذه تذكر بالسخرية من المعاناة من الموت الذي كان يحصد الملايين بسبب الحروب والنزاعات الطائفية الدينية، والأمراض والأوبئة، التي فتكت بملايين البشر في العصور الوسطي، واستمرت مرتبطة بحياة الناس حتي عام 1770 لقد ظهر ذلك في أدبياتهم فرسموا الهياكل العظمية وهي تلعب مع الناس، واستخدموا عظام الموتى في رسم أشكال ديكورية في الكنائس والمقابر، وهناك لوحة شهيرة في ألمانيا جسدت تلك المرحلة إسمها لوحة الموت.. قسمت إلى أجزاء كل منها يحتوي على رسم مختلف يسخر من الموت عن طريق رسم لهياكل عظمية وهي ترقص وتلهوا مع الناس.
في كل مرة تعرض فيها المصريون للمحن والآلام، لم يجدوا غير السخرية لتعيد لهم الاتزان النفسي مع مرارة ما يتعرضون له ..وهل هناك افضل من الذي كتب ساخرا عن الفيروس عندما كتب " اللواء عبد العاطي يطمئن العالم بأن علاج فيروس كورونا هو نفس علاج فيروس "سي" بس يجب تزويد الطحنية شوية "، مئات التعليقات التي تعكس مدي السخرية من الكذب الحكومي، والنفاق الإعلامي وهو يعكس حقيقة راسخة أن الشعب المصري على دراية بحقائق الأمور داخل بلده.

لم تكن مصر في ظل الإهمال الطبي الشديد دولة مرفهة صحيا، فقد عاني المصريون عبر تاريخهم من تدني كبير في الخدمات الطبية.

قضت البلهارسيا على ملايين المصريين عبر سنوات طويلة، وقضي فيروس سي على الملايين.. حتي لايكاد يخلو بيت من أحد ضحاياه.. وفي ظل تدني الخدمات اختلطت المياه في حالات كثير بمياه المجاري، وألقيت مياه الصرف وإفرازات المصانع في مياه النيل، وحدث تلوث كبير في المياه الجوفية، بل إن مزارع الأسماك كلها ملوثة في أبو قير والمنزلة والبرلس، علي سبيل المثال هناك اكثر من 4.5 مليون متر مكعب من الصرف الصحي يتم صرفها في بحيرة كينج مريوط وتخرج منه إلى البحر الأبيض المتوسط ، أما الهواء هو الآخر فليس بمنأى عن التلوث الشديد.

في زمن الفساد وغياب الرقابة على صناعة الطعام، أكل المصريون كل أنواع لحوم الحيوانات، بل حتي اللحوم الفاسدة ومنتهية الصلاحية، وصنعوا خبزهم من غلال فاسدة بها فطريات سامة مستوردة من أوكرانيا وروسيا، ولايمكن نسيان المبيدات المسرطنة في عهد يوسف والي وزير الزراعة الأسبق، لهذا باتت السخرية من الفيروس على أشدها، وسط عالم مصاب بالهلع لأنه ببساطة ليس لديه خبرة المصريين في التعامل مع الفيروسات والأمراض القاتلة.

من حظ المصريين أن فيروس الكورونا الذي يسبب كل هذا الرعب، له نقاط ضعف تكمن في مقاومته بالنظافة، وفي قوة جهاز المناعة ، ومما لاشك فيه أن المناعة عند المصريين قوية، نعرف ذلك من قراءة أبحاث الغرب ففي بحث للبروفيسور هارلد رينز من ألمانيا وجد فيه أن جهاز المناعة لدي أطفال القرويين في أوربا قوي بالمقارنة بنظرائهم اللذين يعيشون في المدن، وهذا ينطبق بالتأكيد علي مصر، وفي جامعة ميونيخ اكتشف باحثون نوع من البكتريا ينمو في روث الأبقار ومخلفات الحظائر، وعند إصابة الأطفال بهذه البكتريا فإن جهازهم المناعي يصبح لديه الحصانة الكافية ضد الإصابة بأمراض الحساسية المختلفة. ووجدوا أيضا أن القرويات تلدن أطفالا لهم بالفعل جهاز مناعي قوي، وبتطبيق هذه الأبحاث علي المصريين فإنهم بلا شك يتمتعون بجهاز مناعي قادر علي هزيمة الفيروس.
بصفة عامة يمكن الإشارة إلى حدوث تراجع سنوي في الجهاز المناعي للإنسان في الوقت الحالي مقارنة بالأزمنة الماضية فنجد أن كبار السن أعلي 3 مرات من الصغار في الإصابة بالتهابات مثل الالتهاب الرئوي، والتهاب الشعب الهوائية، لكن الخبراء يعتقدون أنه يمكن تقوية الجهاز المناعي من خلال الرياضة وتناول أطعمة غنية بفيتامين س وفيتامين د والزنك والحديد.

وبما أن المصريين شعب يحب الفكاهة والسعادة فقد ثبت أن ذلك أيضا يدعم جهاز المناعة في معركته ضد فيروس كورونا..ذلك أن الجانب النفسي يلعب دورا بالغ الأهمية في تدعيم أو تثبيط مناعة الجسم، فيمكن للتوتر أو الغضب أن يرفع نسبة هرمون الكورتزول في الدم ، وهو مثبط فيسيولوجي للجهاز المناعي لمدة لاتقل عن 5 ساعات متواصلة، ولهذا فالجانب النفسي يسيطر بطريقة مباشرة على الجهاز المناعي، لهذا يقاوم المصريون الفيروس بسبب طبيعتهم المرحة وبسبب المناخ الذي يحيط بهم عكس الأوربيين الذين أصابهم الفيروس بالهلع والخوف والتخبط.