فرضت الحالة الاستثنائية الجديدة مجموعة من التغييرات والتحولات للتكيف مع الوضع الراهن، فالعالم كله في حالة طوارئ نتيجة فايروس كوفيد ١٩ المعروف باسم كورونا، الذي تسبب في زلزال عالمي وحالة من الهلع والخوف لانتشاره بشكل سريع ومرعب وصل إلى أغلب مناطق العالم، كل شيء معطل،المدارس وأماكن التجمعات المختلفة من مقاه ومطاعم ومطارات وبعض المؤسسات العمومية والمساجد وغيرها لمحاولة الحد من انتشار الفيروس والتحكم فيه ومواجهته بعزل الحالات المصابة ومعالجتها وتفادي انتقال العدوى، خاصة في ظل انعدام اللقاح المناسب لمعالجة المصابين الذين للأسف أنهى الفيروس حياة بعضهم.

وتبحث الدول في خضم حماية حياة مواطنيها عن سبل تلافي حالة الشلل التي قد تصل إليه في إطار مواجهتها لكورونا وعلى رأس ذلك ما يقوم به قطاع التربية في عدة دول؛ من خلال إطلاق منصات إلكترونية لاستئناف الدروس عن بعد في محاولة لإكمال العام الدراسي رغم هذه الظروف.


*فايروس كورونا يدفع نحو التعليم الرقمي*

فكرة التعلم عن بعد ليس موضوعا جديدا، هو معروف من عقود، كما أن التوجه نحو التعليم الرقمي لم يكن شيئا غريبا، بل كان متوقع الحصول ولكن كورونا عجل في ظهوره ودفع به إلى الواجهة، وهنا نأخذ على سبيل المثال ما صرخ به وزير التربية الفرنسي جان ميشال بلانكر الذي قال أن فرنسا متأهبة ومستعدة لمواجهة التحديات الجديدة خاصة بعد عودة التلاميذ من بؤر الفيروس ما استدعى الأمر إلى وضعهم في الحجر الصحي وإبعادهم عن مدارسهم، وهذا تطلب إيجاد حل لوضعيتهم، من خلال توفير الدروس عبر توفير بيئات عمل رقمية في المدارس، تتيح للطلاب إرسال العناصر عن بعد، وأكد أنه حتى في حال ما استمر الوضع وتوسع فهم قادرون على بدء التعلم عن بعد.

*التحديات التي تفرضها مرحلة التعليم الرقمي عن بعد*

ليس من السهل القول أن مرحلة التعليم عن بعد في مرحلة كورونا لا تواجه مشاكل وتحديات كبيرة، أو هي من السهل الممتنع، فإلى الآن في بعض الدول التي أطلقت برنامج الدراسة عن بعد بدأ جدل واسع لدى الأوساط الأسرية، حول وضع العائلات غير المجهزة، أو التي ليس لديها اتصال إنترنت قوي بما فيه الكفاية، كما بدأت التساؤلات تطرح بخصوص من لا يملك أجهزة كمبيوتر أو أجهزة لوحية؟ .
الأمور ليست واضحة لأن الظروف كانت مفاجئة، والتعليم الإلكتروني عن بعد يحتاج إلى فترة من الوقت للتكيف مع هذا النمط الجديد على المعلمين والتلاميذ وأوليائهم على حد سواء، كما أنه يحتاج إلى تنظيم ووضع مجموعة من التقنيات والتوجيهات لتوحيد الرؤية التربوية وفق منهج يتناسب مع التعليم الإلكتروني عن بعد.

*المدرسة في البيت!..كيف سيتم التحكم في العملية التربوية؟*

قامت الدول بمجموعة من الإجراءات للحد من انتشار كورونا، فبعضها قامت فيه وزارة التربية بتعليق الدراسة، وهناك من تزامنت فيه هذه الفترة مع عطلة الربيع، لكن المشكلة استمرار الوضع على ما هو عليه وزيادة أعداد المصابين بكورونا، كما حصل في عدة دول، الأمر الذي دفع كما قلنا بوزارة التربية إلى اللجوء إلى التعليم عن بعد ومنهج التعليم الرقمي، وهذا يعني المكوث في البيت للدراسة والقيام بالواجبات، وهذا لا شك فيه موضوع كبير جدا وشائك، خاصة إذا نظرنا إلى الفئات العمرية ومستويات الدراسة، هذا يعني أكثر العبء الكبير على المعلمين من جهة لإيجاد أنجع الطرق لإيصال المعلومات حتى يفهمها التلاميذ، ومن جهة أخرى دور أولياء التلاميذ في مراقبة أبنائهم وتوجيههم ومتابعتهم خلال هذه العملية.

ولكن يبقى السؤال إلى أي مدى سيلتزم الآباء بمتابعة أبنائهم؟ وهل سيتعامل التلاميذ بجدية مع هذا النمط الجديد؟

هناك مخاوف من عدم ضبط هذه العملية على مستوى واسع، بالنظر إلى عدد التلاميذ ومدى التزام أوليائهم بمتابعتهم في هذه المرحلة، خاصة أننا نتحدث عن بيوت لكل واحد منها ظروفه وإمكانياته، وهذا فعلا سيخلق نوعا من البلبلة ويحتاج إلى دراسة مركزة تنظر في التعليم الرقمي عن بعد، وكشف آثارها وإيجابياتها وسلبياتها قبل إطلاقها، لكن كما قلنا سابقا، انتشار فايروس كورونا دفع بسرعة البحث عن مخرج لتجنب السنة البيضاء وضياع سنة دراسية بأكملها.

في كل الأحوال نحن نتابع بعض الدول التي أطلقت التعليم الرقمي عن بعد، وسنتابع عن كثب هذه التجربة الجديدة، التي قد تثبت الأيام المقبلة أهميتها وبداية انطلاق مرحلة جديدة في التعليم.

*كاتبة وإعلامية جزائرية