أحدثت التظاهرات الاحتجاجية للعراقيين في العاصمة بغداد والفرات الأوسط والجنوب العراقي، هزة عنيفة للسلوك الإداري والسياسي والاقتصادي للحاكمين، بل وأظهرت عورات ذلك الشكل من أشكال إدارة ملفات الخدمات وتطبيقات الدستور وبناء أسس دولة مدنية عصرية في مختلف مفاصلها التنفيذية والتشريعية والقضائية، كما أكدت بشكل جلي مصداقية ودقة أطروحات وتصريحات وتنبيهات الزعيم الكوردي مسعود بارزاني قبل ما يقرب من عشر سنوات، وتحديدا منذ 2010 حيث نبه القيادات العراقية إلى نقاط الضعف والخلل في تطبيق الدستور والانتقائية المريبة في تطبيق بعض المواد وإهمال الأخرى، بما قلل من شأن الدستور الذي اتفق عليه العراقيون كمرجع قانوني لهم في الدولة الاتحادية، بل سارت الأمور إلى أكثر من ذلك حينما تم اختراق الدستور وتعطيل أكثر من 55 مادة من مواده المهمة، بما تسبب في حرف مسار العملية السياسية باتجاه التفرد بالسلطة وتهميش الشركاء بل وإقصائهم، وقد أشار الرئيس مسعود بارزاني في العديد من تصريحاته ورسائله ومداخلاته ولقاءاته مع الإعلام أو مع قيادات العملية السياسية من الكتل والأحزاب ومنذ 2010 إلى إن اخطر ما يواجه مشروع بناء دولة ديمقراطية اتحادية تعددية في العراق هو التفرد بالسلطة وإعادة النظام الشمولي تحت يافطة الأغلبية، وذلك بتهميش وإقصاء المكونات الأخرى، مما دفع وسهل نمو وامتداد الإرهاب من خلال تلك النقاط الرخوة والضعيفة التي نفذ منها أولئك الإرهابيون والفاسدون الذين لا يقلون في خطورتهم عما فعله الإرهاب.

لقد أكد الرئيس مسعود بارزاني على كل هذه النقاط التي فجرت الشارع العراقي بل ونبه القيادات السياسي العراقية إلى ذلك، مثلما نبه السيد نوري المالكي في دورته الثانية بالحكم إلى نمو وتمدد خلايا داعش في مناطق قريبة من الموصل والى الغرب من العراق قبل عملية الاحتلال التي حصلت لمحافظات نينوى وصلاح الدين والانبار، وقبل ذلك طالب بارزاني بالتعامل مع مطالب المتظاهرين في الرمادي والفلوجة والموصل وصلاح الدين بما لا يتقاطع مع الدستور والقوانين المرعية ويحقق رغبات الأهالي ومطالبهم ومشاركتهم، إلا أن ذلك لم يجد آذانا صاغية، واختير طريق قصير لكنه عنيف للقضاء على تلك الأصوات، مما أدى إلى تعقيد الأوضاع واستغلال الإرهاب تلك الوضعية وخاصة النفسية لدى الأهالي الذين أصيبوا بالإحباط، مما سهل سيطرة داعش على مدنهم وقراهم.

ومن خلال اطلاعنا على تصريحات وأحاديث الرئيس بارزاني منذ 2010 وحتى يومنا هذا نكتشف أسبقيته في تشخيص الخلل في العملية السياسية ومواطن ضعفها التي أدت بالتالي إلى انتشار الفساد وتردي الخدمات واتساع البطالة وهبوط مستويات المعيشة بارتفاع نسبة الفقر المدقع، مما دفع أوسع شريحة في المجتمع وأكثرها تحسسا بالأوضاع بسبب الفقر والبطالة إلى هذه الحملات الاحتجاجية التي تتطور تدريجيا بسبب سوء التعاطي معها واستخدام العنف المفرط التي أدت إلى سقوط مئات الضحايا وآلاف الجرحى، إن التوزيع العادل للثروة ومكافحة الفساد السياسي والاقتصادي والخدماتي الذي نبه إليه الرئيس بارزاني، وتحديدا فيما يتعلق بتطبيق الدستور وعدم التفرد بالسلطة تحت يافطة الأغلبية، والإسراع في تشريع قوانين النفط والغاز والمجلس الاتحادي والأقاليم والانتهاء من تطبيق المادة 140 بما يخدم مصالح الأهالي ومشاركة المكونات بشكل حقيقي ضمن مفهوم المواطنة هو الذي سيضع خارطة طريق لانجاز إصلاحات حقيقية تنهي الأزمة الحالية.

إن ما موجود من إمكانيات في العراق خارج الإقليم هو أضعاف مضاعفة مما هو في كوردستان، وبمقارنة بسيطة منذ 2010 وحتى يومنا هذا ندرك مصداقية ما ذهب إليه الزعيم الكوردي الذي حول إقليمه مع المخلصين من قيادات الإقليم إلى واحة مزدهرة وجزيرة للأمن والسلام لجميع العراقيين.
[email protected]