الإشاعة ظاهرة اجتماعية قديمة، عمرها من عمر التواصل الاجتماعي حتى في اقدم اشكاله، ويستمر انتشارها وتأثيرها في عصر التقنية الفائقة غير عابئة بما انجزه البشر من علم وثقافة وتقدم. ومن بيئاتها اليومية المثلى الأوقات التي نقضيها مع الزملاء في مكاتب العمل ومع الأصدقاء والمعارف في المجالس والمقاهي حيث نتسقط اخبار المجتمع والناس والأحداث.

وبحسب علم الاجتماع، نملك جميعا نزعة نقل الأخبار السلبية اكثر من الإيجابية. وفي هذا الصدد تقول أستاذة علم النفس في جامعة آيوا الشمالية "هيلين هورتون": "لدينا ميل الى إعطاء وزن للمعلومات السلبية اكثر من الإيجابية، ولهذا مغزى تاريخي من ناحية تطورية. فمنطقيا كان علينا ان نعرف كيف نتجنب "نمرا" في الغابة اكثر من ان نعرف اين يوجد حقل من الزهور الجميلة. طبعا معظمنا لا يخاف الآن من النمور لكننا نجزع مثلا من التسريح من العمل، لذلك نرمي الإشاعات يمينا وشمالا لمعرفة ماذا يجري".

وفي دراسة أخرى اجراها عالم النفس الأسترالي "ستيفان لاندوفسكي" عن سبب تفشي المعلومات الكاذبة وسرعة انتشارها في غضون ثوان معدودة حول العالم. استنتج "لاندوفسكي" ان دماغنا يستهلك طاقة اقل للتصديق عندما يكون البيان كاذبا. وهذا يعني إما نحن كسولون وإما ان ادمغتنا كسولة او كليهما. فإيجاد الحقيقة يتطلب وقتا وجهدا، ونحن لا نملك أيا منها".

في الغالب، تزدهر الإشاعة في المجتمعات المغلقة، ففي ظل غياب مصادر للمعلومة موثوق بها، يميل الناس إلى التقاط الأخبار من أفواه الكذابين والأفاكين، ويعملون على تمطيط الخبر وتحويره، وفق اهوائهم الشخصية، وميولهم العرقية والمذهبية، ووفق مصالحهم الفردية أو الفئوية. وكثيرا ما يجد الناس في الإشاعة متنفسا يعبرون من خلاله عن رغبتهم في إحداث تغيير سياسي شامل، أو إجراء إصلاحات واسعة على النظام القائم، مثل تغيير واسع على كابينة الحكومة القائمة. وفي المقابل، كثيرا ما يشرف النظام الحاكم على صناعة الإشاعة، وبثها في الناس من اجل معرفة ردود أفعالهم مسبقا حول أمور يريد النظام إجراءها مستقبلا او في القريب العاجل، منها على سبيل المثال: التمديد للرئيس الحالي او الزيادة في الضرائب او رفع أسعار بعض السلع والخدمات، وغير ذلك من اشاعات جس النبض.

تستهدف الشائعات أمورا كثيرة، لذلك يمكن تسميتها بـ "الحرب المعنوية والنفسية"، وتكمن خطورتها أنها تستخدم ضد أشخاصٍ وأفراد معينين فتجذبهم إليها ليصبحوا أدوات لانتشارها دون أن يدركوا مدى خطورتها. ويمكن تلخيص أهداف الشائعات كالآتي: إضعاف الروح المعنوية للمجتمع المدني، وإشغال الفكر الإنساني أو تعطيله عن التعامل مع حقائق الأمور، وذلك بالتفاعل مع الشائعات وتصديقها والترويج لها. إضافة إلى زرع الريبة والشك في نفوس أفراد المجتمع الواحد، مع التشكيك في رموز وقيادات المجتمع والسعي لزعزعة الثقة بين فئات المجتمع المتعايشة. كما أنها تهدف إلى زرع الفتنة وبث الفرقة وتعميق الفجوة بين مكونات المجتمع، ونشر القلق والخوف في نفوس الناس، مع بث روح الهزيمة النفسية بين الأفراد ليسهل بعد ذلك اختراقها والتحكم فيها. وتنتشر الشائعات وينشط مروجوها في أوقات توقع الخطر، وهي أوقات الحروب والقلاقل والأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية لأن الناس يتوقعون كل شيء خلال هذه الأوقات، وهذا هو سبب انتشار الشائعة لأن الناس في هذا الوقت عندما يسمعون أية معلومة يتناقلونها فيما بينهم دون التحقق من صحتها.

لا أحد ينكر أن للشائعة آثار نفسية وحسية بالغة، وهي بمقدورها القضاء على مجتمعاتٍ كاملة إذا لم تواجه بطريقة فاعلة وواعية. وتزداد خطورتها إذا كانت هناك جهة او (جهات) تروج لهذه الشائعة بغرض تحقيق أهدافها ومبتغاها وما أكثرهم في مجتمعاتنا العربية.

وللقضاء على الإشاعة، يقترح الاخصائيين الاجتماعيين أن يكون الدواء من أصل الداء، أي أن يتم انتهاج الرد الفوري على الإشاعة، وتقديم الأدلة والاثباتات على عدم مصداقيتها. ولفت بعض الإخصائيين على أهمية الحرص على قياس نوع الشائعة وتحديدها لمعرفة كيفية التعامل معها سواء بتجاهلها لعدم أهميتها أو تتبع مصدرها، أو الرد بتصريحٍ رسمي يحدده المسؤولون. كما شدد الاخصائيون على الدور الكبير لوسائل الإعلام في إيضاح المعلومات وإيصالها بالشكل الصحيح، ووجوب تخصيص ناطقين إعلاميين يعملون على إيضاح ما قد يتم الاستفسار عنه.

آخر الكلام: الشائعة يؤلفها ويروجها الحاقدون والكارهون، وينشرها الحمقى، ويصدقها السذج والبسطاء.