شبه مؤكد أننا سنؤرخ بقبل وبعد هذه الجائحة ،هذا لو قدر للعالم أن يكون هناك بعد فالمشهد غير مسبوق على الاطلاق فالسيناريوهات مفتوحة والذعر الممنهج الذى يجتاح الكوكب يولد احساسا بأن النهاية قاب قوسين أو أدنى ،فالمؤكد أن مخلوقا لايرى الا تحت المجهر قد عصف بكل ما كنا نعتقد أنه ثابت او يقينى ،وأن قلاع الحضارة انهارت على الملأ تاركه هرم من التساؤلات المحيرة سيصعب الاجابة عليها على المدى القريب .

ولا أحد يعلم اذا كان هذا المخلوق الشرس الذى هاجم الكوكب كان كامنا وظهر فجأه أم أنه صورة متحورة من فيروس أقدم أم أنه تم تخليقه ،وهنا يبدأ التفسير التآمرى للأحداث الذى تتبناه دول مثل الصين وايران وهم حتى كتابة هذه السطور أكبر ضحايا الحدث ،والاولى هى العدو الاقتصادى والثانية هى العدو الدينى (للشيطان الأكبر )لكن هناك ضحايا مثل ايطاليا وأسبانيا تحتاج الاحداث فيها الى تفسير ،وربما لما يكتسب مرض معد أى صبغة سياسية وربما اقتصادية وربما دينية أيضا كما اكتسبها فيروس كورونا فتحجيم العملاق الصينى وترويض نظام الملالى يبدوان ولو ظاهريا على الأقل وكأنهما كانا الهدف الرئيس ،لكن تعيدنا أرقام الضحايا فى ايطاليا الى اعادة التفكير فى نظرية المؤامرة وخصوصا بعد أن بدا الفيروس اللعين فى اجتياح أمريكا أيضا بضراوة .

وبعيدا عن كل هذه الترهات يجب أن نعترف أن هناك بيئة أصبحت مرتعا لتوالد كائنات مؤذية ،وكما لكل فعل رد فعل تنتفض المنظومة البيئية للكوكب لتدفع الضرر عن نفسها ،عواصف وفيضانات وزلازل وبراكين وأمراض ،وقد زاد الطين بله اقحام الدين فى السجال ويتبرع الفقهاء وأتباعهم ومريدوهم بتسطيح القضية بسذاجة منقطعة النظير لالقاء الكرة فى ملعب السماء ليتنصلوا من كل مسئولية أو التزام أو اجراء قد ينقذ البشرية ،وبالطبع فان التضرع الى الخالق كل حسب مايعتقد لهو شئ ايجابى وممدوح لكن ذلك ليس معناه الغاء اعمال العقل وهو الهبه الممنوحة من الخالق وهو أيضا المسئول عن كل مايحدث على الكوكب خيرا وشرا.

والنظام العالمى الذى يبدو أنه على وشك الانهيار بين عشية وضحاها اتضح أنه نظام هش ،يستوى فى ذلك مايسمى بالعالم الاول والعالم الثالث فالجميع فى حيرة من أمرهم ،فمابين الداعين الى تجميد الحياه وايقاف النشاط الانسانى ومابين من يدعون الى استمرار الحياه بنمطها المعتاد، وهؤلاء وأولئك لهم منطقهم ، فايقاف دولاب العمل فى دولة مثل أمريكا سيصيب الاقتصاد العالمى فى مقتل ،وان كان سينقذ بضع آلاف من الموت بالفيروس، الا انه وفى المقابل سيدفع مثلهم وأكثر للانتحار، أما الداعون لاستمرار الحياه بنمطها المعتاد فحجتهم أن هذا الهلع لامبرر له، فنسب الوفيات الحالية بسبب تفشى الفيروس لا يمكن مقارنتها بما سيحدث فى حال تفشى البطالة بعد انهيار الاقتصاد العالمى وما سيتبعه من مجاعات وكوارث اجتماعية.

أن قيم الحضارة الانسانيه على المحك،فاما أن تصمد وتعيد حساباتها والا فهى النهاية المأساوية وشيوع الفوضى العارمة وبروز تيارات شعبوية ظلامية متطرفه قابعة فى انتظار اللحظة للانقضاض ، والأمل يكمن فى التخلص من هذا الرهاب الذى صنعته الميديا ببيانات الاصابة والوفاه على مدار الساعة، مما أشاع الخوف واليأس والاحباط فى عموم الكوكب ،مع أن فيروسات وأمراض وكوارث أشد فتكا كالكوليرا والطاعون والاتفلونزا الاسبانية حصدت أضعاف هذه الاعداد وفى ظروف لم يكن الطب فيها على هذه الدرجة من التقدم ،ومع ذلك اجتازت البشرية هذه المحن ولم يحدث هذا التسونامى المخلوط بالمؤامرة والاتهام لدول وأجهزة مخابرات وشركات أدوية وكثير من علامات الاستفهام !!!