ستخرج إيران من الدول العربية التي تمدّدت فيها بغطاء مذهبي وطائفي؛ فأولاً إنّ أوضاعها الداخلية باتت تعاني من إهتزازات وأوجاع مؤلمة كثيرة، وثانياً أنها لم تعد مقبولة حتى من قبل غالبية الذين تعتبرهم عمقاً في هذه المنطقة وهذا بإستثناء "حوثيّي" اليمن الذين يمكن وصفهم بأنهم طابورٌ خامسٌ وأنّهم في حقيقة الأمر جهازٌ إستخباريٌ تابعٌ لجهاز "أمنيات" الإيراني.

كان الرهان، رهان العرب بصورة عامة، عندما أطاحت الثورة الخمينية بنظام الشاه محمد رضا بهلوي أنّ إيران ستصبح رديفاً للأمة العربية وإنّ تحرير فلسطين قد إقترب وأصبح على الأبواب لكنْ وللأسف أنه ثبت أنّ هذه الأماني والتطلعات بعيدة وأنّ هذا النظام الإيراني الجديد أسوأ بألف مرة من النظام السابق الذي لم يخف تطلعاته منذ اللحظات الأولى.

وهكذا فإنّ ما هو أسوأ مما كان متوقعاً أن إيران الخمينية قد بادرت إلى إختراق المنطقة العربية طائفياً وأنها قد بادرت إلى "لملمة" من تعتبرهم جزءاً من الطائفة التي باتت تحكم بإسمها حتى بما في ذلك الذين قد كانوا خرجوا من هذا الإطار باكراً وأصبح لهم وضعهم الخاص وطريقتهم الخاصة.

وحقيقة أنها كانت صدمة مريعة بالنسبة للذين راهنوا على روح الله الخميني حتى عندما كان لاجئاً سياسياًّ في فرنسا وقبل ذلك، أن يصبح الإقتراب الإيراني من الدول العربية على أساس طائفي، كما جرى في لبنان والعراق وسوريا وأيضاً في اليمن، وذلك مع أنّ هناك بعض المذاهب التي تم إستيعابها لم تكن لها أي علاقة بالطائفة الشيعية الجعفرية وأنها كانت قد خرجت من هذا الإطار في فترة سابقة باتت بعيدة.

إنّ ما أريد قوله هنا هو أنّ هذا التدخل الطائفي الإيراني في المنطقة العربية لم يعد مقبولاً أولاً لأنه ثبت أن هذا التدخل كان غطاءً أصبح مكشوفاً، لتطلعات قومية فارسية قديمة في الوطن العربي، وثانياً لأن العرب الشيعة قد إتضح لهم أنّ المستهدف بكل هذه الكيانات الطائفية التي أنشئت في العراق ولبنان وأيضاً في سوريا وحتى في اليمن هو الأمة العربية وهو إنتماءهم القومي وأن المقصود بهذا كله هو تسديد حسابات قديمة كان إختراق "الصفويّين" لبلاد الرافدين إحداها في تلك الفترة التي غدت نائية وبعيدة.