قد لا يتمكن الخبراء من تحديد حجم المتغيرات السلبية والآثار المدمرة التي ستخلفها جائحة كوفيد-19 على البشرية، إلا بعد السيطرة على هذا الوباء واتضاح الإحصاءات النهائية لعدد الضحايا وتحديد المدة الفعلية لتباطؤ عجلة الاقتصاد العالمي، فكلما طال أمد السيطرة على الوباء كان أثر التداعيات أخطر وأكبر لا سيما على الدول الصناعية الكبرى التي تُعد الفاعل الرئيسي في الاقتصاد العالمي.

ويمكن قياس النمو الاقتصادي من خلال مراقبة النسبة المئوية للتغير في الناتج المحلي الإجمالي، أو قيمة السلع والخدمات المنتجة، عادة خلال ثلاثة أشهر أو سنة .

وقد أعلنت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية OECD من أن الاقتصاد العالمي سيعاني من أكبر تراجع في النمو منذ الأزمة المالية عام 2009 حيث من الممكن أن ينخفض النمو العالمي إلى 1.5 في المائة في عام 2020 نتيجة تعليق المصانع نشاطها و حظر الحركة في محاولة لاحتواء الفيروس بالحجر المنزلي .

فيما حذّر البنك الدولي في تقرير نشره مطلع هذا الشهر أن التداعيات الاقتصادية سوف تدفع أكثر من 11 مليون شخص إضافي إلى حافة الفقر في منطقة شرق آسيا والمحيط الهادئ ما لم يتم اتخاذ إجراءات سريعة وعاجلة .

وتشير توقعات البنك الدولي الأساسية إلى أن النمو قد يتباطأ إلى 2.1٪ في العام 2020، مقارنة بالنمو المقدر بـ 5.8٪ في عام 2019، إلّا أنه في ظل أسوأ التوقعات، يمكن أن ينكمش اقتصاد المنطقة بنسبة 0.5٪، ما يخلق احتمالية حدوث أزمة ممتدة الأجل، إذ أن الناتج الإجمالي للاقتصاد العالمي كان متوقعًا بنسبة 3%، إلا أن التوقعات انخفضت إلى نسبة 2.4% .

أما التداعيات على سوق البورصة العالمي، فإن الانخفاض الهائل قد أثر سلبًا على العملية الاستثمارية من جهة إضافة إلى تزايد أزمة السيولة، علاوة على تراجع أداء الأسهم الآسيوية والأوروبية، مما أدى إلى تفاقم مخاوف المستثمرين حول العالم بشكل عام.

فقد انحدرت مؤشرات كل من داو جونز، وإس آند بي 500، وناسداك الأميركية بنسبة أكثر من 10%، مسجلة أدنى مستوياتها منذ العام 1987.
وتفاديًا للأضرار قررت البنوك المركزية في العديد من الدول خفض أسعار الفائدة حيث من المتوقع أن تؤدي هذه الخطوة إلى تخفيض تكلفة الاقتراض، مما سيؤدي إلى مزيد من الانفاق بما يعزز الوضع الاقتصادي بشكل عام .

أما فيما يتعلق بأسواق النفط العالمي، فقد وصلت حرب الأسعار المستعرة بين كل من السعودية وروسيا. إضافة إلى تراجع الطلب بسبب أزمة كورونا إلى حافة انهيار غير مسبوق، حيث من المحتمل أن يؤدي ذلك إلى تراجع نمو بعض الشركات المنتجة للنفط وقد يعصف باقتصاد العديد من دول أوبك، لا سيما مع انتهاء أجل اتفاق تحالف "أوبك بلاس" الذي يضم أعضاء منظمة الدول المصدرة للبترول أوبك وعشر دول نفطية من خارجها بقيادة روسيا. فمع انتهاء اتفاق "أوبك بلس" ستكون الدول قد تحررت من أي قيود انتاجية وهو ما يعني إغراق السوق بكثرة العرض.
و بحسب أسعار النفط المتداولة حاليًّا في الأسواق العالمية ، فإنه مع التخفيضات التي أقرتها السعودية لأسعارها، يمكن أن تباع بعض درجات الخام في أسواق أوروبا بنحو 10 دولارات للبرميل الواحد. في وقت ارتفعت فيه صادراتها من حوالي 7 ملايين برميل يومياً خلال الأسابيع الثلاثة الأولى من مارس الماضي إلى حوالي 9 ملايين برميل يومياً خلال الأسبوع الرابع من الشهر الماضي.

وبطبيعة الحال فإن الضربة الأقصى فقد كانت من حصة قطاع السياحة مع انتشار حظر السفر حول العالم، مما أدى إلى تكبد شركات الطيران المحلية والعالمية خسائر فادحة تجاوزت 113 مليار دولار مع احتمال ارتفاع هذا الرقم إلى الضعف في ظل انتشار الوباء وامتداد مدة الحظر المفروض على المسافرين .
أما القطاعات المتعلقة بالترفيه في كافة الدول فقد كانت المتضرر المباشر الأول والرئيسي مع إغلاق كافة النوادي والمطاعم والمتاحف والمراكز الثقافية و المطاعم وغيرها الكثير. في وقت يصعب فيه حاليًا حصر الأرقام الحقيقية الناجمة عن هذه الأضرار فإن قطاع السينما والتمثيل على سبيل المثال اصيب بنكسة فقد قدرت خسائر صناعة الافلام في هوليوود بأكثر من 5 مليارات دولار حتى الآن.

إذن الوضع العالمي برمته متضرر من تداعيات هذه الجائحة ،وفي محاولة لانقاذ ما يمكن انقاذه واحتواء الأسوأ عقدت مجموعة العشرين في الاسبوع الأخير من شهر مارس الفائت "قمة افتراضية" ترأستها المملكة العربية السعودية وشارك فيها رؤساء الدول التي تضم أقوى عشرين اقتصاد حول العالم وتستحوذ على 90% من ناتج الإجمالي المحلي العالمي، حيث تعهدت المجموعة بضخ 5 تريليون دولار، أي ما يعادل 6% من ناتج الإجمالي العالمي، وذلك بهدف مواجهة جائحة كوفيد 19 من جهة علاوة على ضخ السيولة في الأسواق ودعم التجارة الدولية، إضافة إلى ضمان تدفق الإمدادات الطبية، و دعم منظمة الصحة العالمية وبرامجها لمكافحة الوباء في الدول الفقيرة والنامية.

أما في الولايات المتحدة والتي سجلت أعلى نسبة في انتشار الوباء حول العالم فقد سارع مجلس الشيوخ الأمريكي لاقرار مشروع قانون المساعدات المالية لمواجهة كورونا بقيمة 2 تريليون دولار لمساعدة العمال والشركات، لا سيما مع ارتفاع معدل البطالة إلى مستوى قياسي، حيث تم تسجيل أكثر من 3 مليون شخص للمطالبة بإعانات البطالة وفقًا لبيانات وزارة العمل الاميركية.

أخيرًا، حتى الآن لا يمكن الجزم بخواتيم هذا الكابوس الذي اجتاح العالم، لكن من المؤكد أن صَفحة مغايرة من التاريخ ستفتحها الدول الكبرى فور الخروج من هذه الأزمة. كما سيكون المجتمع الدولي بأسره والأمم المتحدة أمام تحدياتٍ حقيقية قد تفرض استراتيجية مغايرة في التعاطي مع الأوبئة قد تفرض طرح استراتيجية جديدة حول الأمن البيولوجي والردع الوبائي في ظل الحديث عن ولادة نظام عالمي جديد قد يكون مختلفا عن المعهود وسط المخاوف الحقيقية بشأن الليبرالية الجديدة و مستقبل الرأسمالية.