لم يخطئ السيد رئيس الجمهورية دستوريا - كما يدعي البعض- في تكليف عدنان الزرفي خاصة وانه استند على رأي المحكمة الاتحادية قبل قرار التكليف، لكن الخطأ والخرق الدستوري هو في اعتبار ان هذا المنصب حكرا على الاحزاب الشيعية،وتوزيع المناصب العليا على الطوائف والقوميات بصرف النظر عن نتائج الانتخابات التي هي الأخرى غير نزيهة ولا تمت للديمقراطية بصلة.وهذه الممارسة الشاذة فضلا عن انها لم تسهم في إرساء أسس الديمقراطية في عراق ما بعد ٢٠٠٣ تعد اول انتهاك - مستمر- للدستور في مادته الأولى.

العرف البديل عن الدستور الذي سار عليه المتحاصصون يشترط - خلافا للدستور-ان يكون رئيس مجلس الوزراء "شيعيا" فيما ينص الدستور على المساواة بين المواطنين في الحقوق والواجبات دون تمييز على اساس الدين او القومية او المذهب ، وَزادت عليه بعض الأطراف التي لم يرق لها تكليف السيد عدنان الزرفي بتشكيل الحكومة مؤخرا بأن "المكلف يجب أن يحظى بأغلبية المكون الأكبر" وهي ذاتها الأطراف التي روجت قبل انتخابات ٢٠١٤ وانتخابات ٢٠١٨ بأن "العملية السياسية" في العراق لا يمكن أن تستقيم الا بوجود ائتلاف حكومي يتكون من أحزاب "شيعية" و"سنية" و"كردية" - عذرا لهذه التوصيفات الاثنية - ومعارضة تضم بدورها أحزابا من الفئات أعلاه، وليس بالضرورة ان تكون كل الاحزاب"الشيعية" مؤيدة لرئيس مجلس الوزراء! صدر هذا الكلام من ائتلاف دولة القانون على لسان رئيسه نوري المالكي ومن المجلس الأعلى وبعدها تيار الحكمة على لسان رئيسه عمار الحكيم ومن كتلة الاحرار ومن بعدها سائرون على لسان اكثر من قيادي فيها، وغيرها من الأطراف التي تزج مفردة "المكون" الذي تدعي تمثيله في فرض طلباتها الحزبية حينما تضيق وتتحدد خياراتها السياسية وهي بالتأكيد لا تمثل الا جمهورها الحزبي وبعضها لا يمثل غيرمصالح فئة محددة من قياداتها، بدليل الصراعات والمنازعات والخلافات على "الحصص" من الوزارات لكل حزب حتى في حكومة لا تستمر اكثر من عام.

خلال انتفاضة ٢٥ تشرين، تعالت أصوات بعض الأطراف الحزبية التي اثنت على الشباب المنتفض الذي "قضى" على الطائفية بانتفاضته التي اشترك فيها الشباب من كافة أطياف المجتمع، ووعد رئيس مجلس النواب وقتها بالعمل على تنفيذ مطالب المتظاهرين وإلا سيخلع سترته ويتظاهر معهم، ولازال ابسط مطالبهم "انتخابات مبكرة بمفوضية مستقلة" لم ير النور رغم سقوط مئات الشهداء وعشرات آلاف الجرحى، رغم ادعاء "الديمقراطية" من قبل أحزاب السلطة، ما يكشف عن نفاق سياسي قل نظيره على مستوى العالم.

الأحزاب التي ادعت تمثيلها ل"مكوناتها" ورسخت نظام المحاصصة، هي اول من انتهك الدستور، ومستمرة في انتهاكه عبر الإصرار على نظام المحاصصة الذي تدعي معارضتها له بما في ذلك الأحزاب التي تدعي تمثيلها ل"السنة" و"الأكراد" التي احجمت عن تأييد الزرفي علانية او مجرد الدخول معه بمفاوضات لتشكيل الحكومة "مالم يحظ بإجماع المكون الشيعي" ما يعني إصرارا على اتباع ذات النهج-المخالف للدستور-والذي تسبب بكل المشاكل للعراق بما في ذلك خلق داعش وانتشار الفساد.

المعترضون على تكليف الزرفي هددوا بإحراق العراق اذا ما تم تمريره، رغم ان مدة رئاسته قد لا تزيد عن سنة ورغم ان ذلك - كما يفترض- تحدده أصوات الاغلبية في مجلس النواب وليس اي طرف آخر، ما يؤشر انحرافا كبيرا عن الديمقراطية المزعومة في عراق ما بعد ٢٠٠٣، خاصة وإن هذه التصريحات تصدر من ميليشيات مسلحة يحظر الدستور-المنتهك- وجودها.
اتمنى ان لا يفهم مما سبق ترويجا لعدنان الزرفي، فأنا لا أعرف الرجل الا كما يعرفه غيري من وسائل الإعلام ولم التقه في حياتي ولا اعتقد اني سألتقيه يوما، لكن هو مجرد وصف لما حدث ويحدث.