خلافاً لما بقي سائداً في بعض كتبنا التاريخية فإنّ "الطاعون" هو من أسقط الدولة الأموية لحساب قيام الدولة العباسية التي كان قد أسقطها لاحقاً هذا الـ "فيروس" الخبيث الذي كان في زمانه أخطر من "كورونا" ربما بألف مرة نظراً لعدم توفر الأدوية والمضادات الحيوية. وكان الرسول محمد عليه صلوات الله وتسليمه قال عن هذا الوباء في ذلك الوقت المبكر كما يقال الآن عن "كوفيد19" وهو: "إذا وقع بإرض وأنتم بها فلا تخرجوا منها وإذا وقع بأرض ولستم بها فلا تهبطوا عليها".

والمعروف لنا وحسب ما قرأناه مبكراً في كتبنا المدرسية هو أنّ هذا المرض الخبيث، الذي كان في وقته في عام 640 ميلادي أخطر من "كوفيد19" ربما بألف مرة، قد "دبّ" ، كما يقال، في بلدة "عمواس" الصغيرة الواقعة بين القدس والرملة والتي إنتشر منها في إتجاه الشرق وكان من ضحاياه أبو عبيدة بن الجراح قائد الجيوش الإسلامية ومعاذ بين جبل وضرار بن الأزور الذين دفنوا في غور الأردن.. وتقول كتب التاريخ في هذا المجال أنّ هذا البلاء لم يرتفع إلا بعدما وليّ عمرو بن العاص أمور المسلمين وخطب فيهم قائلاً: "أيها الناس إنّ هذا الوجع إذا وقع إنما يشتعل إشتعال النار فتجنبوا منه في الجبال.." فخرج وخرجوا وتفرقوا حتى رفعه الله عنهم.

ويقال أن عمر بن الخطاب الذي كان خليفة المسلمين في ذلك الوقت قد حاول إخراج أبي عبيدة من الأرض التي إستشرى فيها الطاعون إلا أنه إعتذر لكنه ما لبث أن إستجاب عندما طلب منه الفاروق أن يرتحل المسلمون من الأرض "الغمقة" التي تكثر فيها المياه والمستنقعات إلى أرض نزهة عالية ويبدو وحسب المواصفات أن المقصود هو أغوار الأردن لكنه قد تراجع ولم يفعل إستجابة لرأي عبدالرحمن بن عوف وكانت النتيجة أن ذلك الوباء قد إستشرى لهيبه وحصد أرواحاً كثيرة من بينها أرواح الذين توجد مراقدهم إلى الشمال من بلدة دير علا الأردنية .

إنّ المهم هو أن مرض "الطاعون" قد بقي متجذراً في بلاد الشام كلها وأنه قد حصد أرواحاً كثيرة في دمشق (الأموية) وفي كل المدن السورية وأنه بالنتيجة قد أنهى دولة الأمويين بإختطاف أرواح كل خلفائها وقادتها ويبدو أن عبدالرحمن الداخل عندما غادر هذه الدولة الأموية ولجأ إلى الأندلس التي أقام فيها أهم دولة عرفها ذلك الزمان وأستمرت لنحو ثمانمائة عام قبل أن تسقط في يدي فرديناند وإيزابيلا بعد إستسلام آخر ملوكها العرب أبو عبدالله الصغير.

والمهم أنه لولا التقدم الذي حصل بعد كل هذه السنوات الطويلة وبخاصة في مجال الطبابة ومقاومة الآفات الـ "فيروسية" لكان هذا الـ "كورونا" لم يكتف بما حصده من أرواح في العالم كله وبما فيه الولايات المتحدة ولكانت هناك إبادة بشرية بكل معنى الكلمة وعلى نحو أكثر بمليون مرة مما فعله الطاعون في تلك الفترة التاريخية المبكرة.