لم يكن فيروس كورونا مجرد مرض يفتك بالأمم ويحيل آلاف الناس إلى المصحات والمقابر ، بل أنه أيضاً مرحلة تاريخية جديدة يتغير فيها وعي الناس بمختلف أجناسهم وأديانهم وجغرافيتهم عبر امتداد الكرة الأرضية .

في ظل انتشار فيروس الكورونا ، تكشفت للعالم حقائق كثيرة ،سياسية واقتصادية وأخلاقية ، لم يكن لها أن تتكشف لولا معجزة هذا الكورونا الذي بسببه اكتشف الأمريكيون والأوربيون أن بلدانهم تشيخ من الداخل بسبب فساد السياسات الخارجية لتلك البلدان التي أهملت البنى التحية لمدنها وصناعة المستلزمات الطبية والأدوية وركزت على صناعة الأسلحة وبيعها لقبض ملايين الدولارات مقابل إشعال الحروب وقتل الشعوب.

كذلك إتضح التدني للمستوى الأخلاقي عند أنظمة تلك الدول التي تدعي احترام حقوق الإنسان والحرص على رفاهية معيشته . و كيف أصبحت تلك الأنظمة تحرص على وفرة المال أكثر من حرصها على حياة الناس ،

وكيف أنهم منذ بداية انتشار الوباء أعلنوا استسلامهم للمرض ودعوا الناس للتعامل معه كأمر واقع والإعتماد على مناعة القطيع كدليل على حرص تلك الأنظمة على رأس المال أكثر من حرصهم على رأس الإنسان. وعندما تعرضوا للنقد العالمي عادوا ليمارسوا كعادتهم اهتمامهم بصحة الناس وحقوقه ، عبر ملامح متجهمة غير مقتنعة بما تعمله من برامج الحماية والوقاية للمرض.

أما ما أحدثه الفيروس من تغيير في الوعي الإنساني بشكل عام ، فقد إتضح للناس بمختلف أديانهم ومعتقداتهم ، أن الناس في أزمات النوازل والملمات تحتاج إلى المستشفيات أكثر من حاجتهم للمساجد والكنائس والمعابد.

وأن حاجتهم للأطباء والممرضين والأدوية أكثر وأهم من حاجتهم للفقهاء والواعظين والمواعظ .
لأن الإنسان يستطيع أن يعبد الله في أي مكان ، لكنه لايستطيع أن يحصل على العلاج إلا في المستشفى ، وأن الأطباء والصيادلة هم من يمنح العلاج ويصنعه
وليس رجال الدين وتجار المواعظ.

بل أن كورونا أعطى دروساً واضحة في أهمية بناء المزيد من المستشفيات ، وإعداد الأطباء والصيادلة والممرضين ، وبناء جامعات علمية تخرج آلاف الكوادر الطبية والعلمية التي تفيد المجتمعات والبلدان في كل الأوقات ، بدلاً من تلك الجامعات التي تستهلك ملايين الدولارت في بناء منشآت جامعية هامشية دون أن يكون لها أية فوائد ذات قيمة ايجابية تنعكس على حياة المجتمعات ونموها وصحة أبنائها. بل أن بعض الجامعات في بعض دول العالم الثالث أنتجت جامعيين ضررهم أكثر من نفعهم ، وهناك مئات الدكاترة الذين لاعمل لهم سوى الوعظ وحشو العقول بما لاينفع الأوطان والإنسان. بينما مهمة الدكتور الجامعي في أي جامعة عريقة من أعظم المهمات ولا ينال تلك الشهادة العلمية الهامة سوى من قضى سنوات دراسية من عمره متنقلاً بين المكتبات العريقة يبحث عن معلومة لينهي دراسته ببحث علمي يضيف شيئاً قيماً للعلم وليس مانعرفه من تلك الشهادات التي ينالها من لا يكون مؤهلاً لنيل الشهادة الابتدائية. وهناك الكثير من رسائل شهادات الدكتوراة في بعض جامعات العالم الثالث تثير الضحك والسخرية من عنوان الرسالة ناهيك عن محتواها.

لقد بينت أزمة الكورونا أهمية العلم الذي تبرز أفعاله الإيجابية وقت الأزمات ، واختفت كل المخرجات للجامعات التي لا فائدة منها.

ومثلما تكون حاجة الطبيب والممرض والصيدلي هامة وملحة وقت الأزمات الصحية وفي كل الأوقات ، فإن مهمة المهندس في كل التخصصات وكذلك المبرمج والسباك والكهربائي وكل العاملين على وسائل التكنلوجيا وغيرها من أعمال التصنيع والبناء والاختراع والخدمات تبرز وقت الأزمات الأخرى وفي كل الأوقات أيضا ، مما سوف يفتح عقول المسؤولين في كل دول العالم أن يهتموا في تدريس العلوم التي تفيد بناء الأوطان وحماية الإنسان. بل أن كل منا وسط أزمة الكورونا تخيل خطورة توقف الإتصال والتواصل الجوي والبري والبحري بين دول العالم وكيف أنه سيموت ملايين من البشر ليس بسبب المرض وإنما بسبب الجوع لو استمرت الأزمات وسط ظروف طويلة الأمد وانقطاع تام بين الدول . لأن أغل البلدان تعتمد على استهلاك ما ينتجه الآخرون ، وهذا يدفع كل دولة ان تفكر الف مرة للمستقبل في كيفية الإعتماد الذاتي الغذائي والمائي والصناعي والطبي كيلا تمر أزمة أخرى أخطر من نازلة الكورونا وتحدث الكارثة.
والشعوب الحية تتعلم من التجارب ولا تكرر الأخطاء وتتعلم من الدروس ما يدفعها لتغيير طريقة التفكير بعد أن استوعبت الدروس .

إن المحافظة على الرقعة الزراعية في المدن الزراعية أهم من شق الأودية بطرق مزفلتة لا داعي لها تضر بالمساحات الزراعية عندما يكون الطريق في الوادي فاصلاً بين مياه السيول وحقول الزراعة مما يدفع المزارع أن يتخلى عن المزرعة ويحولها إلى منشآت سكنية وتجارية تلوث البيئة وتوقف الإنتاج الزراعي .

البلد الذي لا يصنع علاجه واحتياجاته، ولا يأكل من انتاج مزارعة ، ولا يملك اليد العاملة الوطنية في كل المجالات ، بلد لن يكون له مكان في مستقبل الشعوب وقابل للإنقراض أو للهجرة.

ومثلما قال جبران خليل جبران:
ويل لأمة تلبس مما لاتنسج ، وتأكل مما لاتزرع ، وتشرب مما لاتعصر ، وتركب مما لا تصنع !