ليس من عادتي كتابة عظات أو نصائح دينية، بل انني أحياناً أجد نفسي أمقتها كما هو حال الكثير من الناس(نستغفر الله ونتوب إليه ونعوذ به من قسوة القلب).

لكن عندما نتأمل حالنا وحال البشرية سنجد أننا بارزنا الله بالمعاصي، سواءً أدركنا أن ما نقوم به معصية أم لا، قال تعالى: (ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون).

الإلحاد أصبح ديناً وعقيدة عند البعض ينبغي أن نحترمها ونجاهر بها بل ونفاخر بها!!
(قُتِل الإنسان ما أكفره).

الظلم أصبح هو الأساس في التعاملات والعلاقات بين البشر، لا يكاد يوجد إنسان في زماننا هذا إلا وهو مظلوم بشكل أو بآخر. (ولقد أهلكنا القرون من قبلكم لمَّا ظلموا).

الإباحية ومقاطع الشذوذ أصبحت على العلن وأصبحت مواقع التواصل تعجُّ بها، وبات الشذوذ الجنسي أمراً طبيعياً ينبغي تقبُّله!!

أصبح الغالبية من الناس يسعون إلى تدمير وإسقاط وتشويه صورة كل من يختلف معهم في الرأي ويفرحون عندما ينهار ويسقط!! لا مراعاة لكونه إنسان مثلهم، لا مراعاة لكونه مسلم وعلى دينهم.

مجالسنا على أرض الواقع، وحواراتنا في الواقع الافتراضي، لا تخلو من الغيبة والنميمة والحقد والحسد.

أصبحت المصالح والبراجماتية هي من تحكم علاقات البشر، وعندما تتحدث معهم عن مفاهيم سامية وقيم معنوية نبيلة(المشاعر، الكرامة، الرحمة، الإنسانية...إلخ) فإنك تصبح محل سخرية!!

ليس مهماً أن نتيَّقن هل كل ما يصيبنا من بلاء هو عقوبة إلهية أم لا؛ المهم هو أن نعترف بأن الانتصار والكلمة حالياً هي للشر والفساد وأن البشرية متجهة إلى كل ما من شأنه تدمير الإنسان مادياً ومعنوياً.
لا أكتب هذا لكي يعود ملحد إلى الإيمان أو يهتدي عاصٍ للصراط المستقيم، بل لا يهمني أساساً آمن واهتدى أم كفر وضل، رجع واستقام أم عاند واستكبر(وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ونُخرج له يوم القيامة كتاباً يلقاه).

كل ما أود قوله؛ هو أنه لا أخطر على الإنسان من الإنسان عندما يغيب الإيمان والدين الحقيقي، نعم؛ القانون يردع الإنسان عن فعل الشر، لكنه لا يبني الإنسان ولا يُهذِّب أخلاقه ولا يسمو به روحياً، الدين والإيمان وحده من يقوم بهذا، وعندما يصبح الإنسان مُعدماً خاوياً بلا دين أو إيمان، فإنه يكون أقرب إلى الشيطان منه إلى الإنسان، حينئذ وعندما يتمكَّن هذا الإنسان من أي شيء يطغى ويتكبر، عندما تصبح بيده القدرة يتحوَّل إلى سفَّاح، عندما يشبع يكفر ويجحد.

أصبح الأنقياء من البشر يجاهدون قدر المستطاع ليحافظوا على نقاءهم، وإذا شعروا بأن الحِمل قد زاد؛ تجدهم ينعزلون حتى يلقوا وجه الله وهم بهذا النقاء والطُهر(رجالٌ صدقوا ماعاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدَّلوا تبديلا).
وقبل أن أختم المقال؛ هناك مسألة تراود الكثير وهي:

كيف يتعامل الله مع دعوات أصحاب الأديان المختلفة؟
حيث أنه وكما هو المعتاد في المصائب والكوارث يلجأ رجال الدين والمؤمنين في كل الأديان إلى الله بالدعاء والصلاة ليكون معهم وينقذهم، يتساءل البعض: هل الله مُتحيِّز لدعوات أصحاب دين معين دون غيرهم؟ المسلم سيقول في قلبه: مساكين هؤلاء المسيحيين يدعون الله ولا يعلمون أن دينهم بالأساس باطل، كذلك المسيحي واليهودي ستراوده نفس الأفكار..

لكن المسألة التي يجهلونها هي أن الله يحب الدعاء ويقبله حتى من الملحد! الدعاء وخصوصاً عند الاضطرار لا علاقة له بالدين، بل علاقته مباشرة بالله.
لذلك أنا أرى أن دعوات المسلمين والمسيحيين واليهود وغيرهم جميعها ظاهرة إيجابية وتصب في مصلحة البشرية جمعاء. الله يفرح عندما تتجه أنظار أصحاب الديانات إليه، الله لا يريد سوى قلوبهم.

يجب أن نحذف من عقولنا أي صور وأفكار مُشوَّهة عن الله، الله ينظر إلى قلوبنا فقط، طبعاً أنا كمسلم مؤمن أن الإسلام هو دين الحق، كما هو حال أصحاب الأديان الأخرى يؤمنون بأن دينهم هو الحق، لكن هذا الإيمان لا يتعارض مع قناعتي بأن الله بعدله ورحمته وحكمته لن يُعاملنا بالصورة التي تتخيلها عقولنا البشرية. الله يذهلنا وسيظل يذهلنا دوماً وأبداً بعظمته ورحمته التي تفوق كل تصوراتنا.

(تنويه: فيما يخص قضيتي الإلحاد والمثلية الجنسية:
اعتقادي كمسلم هو أنهما من المعاصي العظيمة التي تستوجب غضب الله، أما من حيث مسألة حرية من يؤمن بهما، فإن ما أراه أنا وأؤمن به هو أن الإنسان عندما يختار الإلحاد فهو حر في اختياره، وليس من حق أي أحد أن يقصيه أو يطالب بقتله، وفي المقابل لا يحق لهذا الإنسان الملحد أن ينتقص أو يسيء للمؤمنين أو للمقدسات الدينية. لك أن تُعبِّر عن رأيك وتحاور بصورة راقية دون الإساءة أو التجريح. والإسلام قد دل على ذلك في نصوص متعددة منها:
١.ما يتعلق بحرية الإيمان من عدمه: قال تعالى:
(لا إكراه في الدين)، وقوله: (فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر).
٢.ما يتعلق بحق غير المؤمن في أن يقول ويعبر عن رأيه:
قال تعالى: (ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين). وقوله: (قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمةٍ سواء بيننا وبينكم).

وقصة الصحابي الجليل ثُمامة بن أثال رضي الله عنه قبل إسلامه عندما قام الصحابة بأسره وحبسه لكي يُسلم، كان يأتي إليه الرسول صلى الله عليه وسلم في كل يوم لعلَّه يُسلم، وكان ثُمامة يرد عليه في كل مرة قائلاً: "يا محمد إن تقتل تقتل ذا دم وإن تُنعم تُنعم على شاكر". لم يقبل ثمامة بالإسلام في وقتها، بل جادل النبي صلى الله وأعلن عن وجهة نظره بكل أدب واحترام ودون أن يسيء للرسول ولا للإسلام، فما كان من النبي صلى الله عليه وسلم إلا أن أطلق سراحه، وبعد ذلك أسلم ثمامة رضي الله عنه عن قناعة. هذا فيما يخص اختيار الإنسان للإلحاد أو اعتناقه لدينٍ آخر.

أمَّا فيما يخص المثلية الجنسية؛ فهي اضطراب جنسي، ومن أُبتلي بها يجب عليه أن يستر نفسه امتثالاً لقوله عليه الصلاة والسلام: (من أصاب من هذهِ القاذورات شيئاً فليستتر بستر الله)، وعليه أن يلجأ للطب النفسي بحثاً عن العلاج، وأن يعلم يقيناً أن المثلية الجنسية سلوك شاذ تأباه الفطرة السليمة والنفوس السوية، صحيح أن الشخص المُبتلى بها وجد نفسه بمشاعره وأحاسيسه وميوله خاضعاً لها دون إرادته، إلا أنه بإرادته يختار الكف أو الاسترسال مع هذه الرغبات لتكون سلوكاً بعد ذلك، وليس من حقه شرعاً وقانوناً وإنسانياً أن يطالب باحترام هذا السلوك الشاذ ولا أن يمارسه في الخفاء أو العلن بأي شكلٍ كان).