وسط الأخبار المتلاحقة عن خروج بريطانيا من الإتحاد الأوروبي.. والتي جاءت بعدها مباشرة الإحتفالات بأعياد الميلاد .. لم أعر خبر فيروس الكورونا إهتماما حين بدأت القنوات البريطانية تبث خبر فيروس يجتاح إحدى المدن الصينية.. كخبر عابر.. وإستمر عدم إهتمامي حتى بعد أن سمعت في وسط فبراير عن الطبيب الصيني من هونغ كونغ الذي حذّر من مخاطر وباء في طريقة لإجتياح العالم ( الطبيب الذي إنتقلت العدوى إليه وتوفي بعدها بشهر).. رفضت ولا زلت فكرة نظرية المؤامرة.. ورفضت كليا تعليقات الرئيس الأميركي العنصرية حول الوباء الذي إنتقل في غضون أسابيع من الإعلان عنه والإعتراف بوجودة آنذك في المدينة الصينية الأولى مدينة يوهان وإن كانت الأخبار الوافدة تقول أنه وربما أتى من طريق أخرى وفي أواسط سبتمبر؟؟

ولكني اليوم وأنا قابعة في بيتي أسمع وأشاهد تحليلات معظم القنوات الغربية في كل ما يتعلق بالوباء مترافقا مع الكثير من التحليلات العلمية وكل ما أستطيع هضمه من الآثار المترتبة عليه سياسيا..

أؤمن بالأولوية الأولى للآثار الإقتصادية والإجتماعية التي ستؤثر سلبا أو إيجابا على هيكل الحكومات وكيفية إستجابتها وعلى العولمة كما عرفناها .. وحتى على قوانين حقوق الإنسان التي وقعت عليها الدول وإن تفاوت تنفيذها من دولة لأخرى.. لم أستطيع النأي بقلمي وبأفكار تعصف بي في تساؤل ملح.. عن النتائج المُترتبة على هذا الإعصار الوبائي العالمي؟

التحليلات العلمية أثبتت أن أكبر إستثمار لأية دولة هو الإستثمار في البحوث العلمية.. وأن رأس مال هذه الدول ليس قوتها العسكرية بل طاقمها الطبي بكل وظائفه.. وأؤمن إيمانا قاطعا بأن هذا القطاع سيحظى بالأولوية للدعم على جميع المستويات الشعبية والحكومية والأعمال الخيرية بعد هذه النكبة... ومعاملة اللاجئين من هذا القطاع الصحي معاملة المواطنين نظرا لما قاموا به من تحدي الوباء ووقوفهم في ساحة المعركة بدون فارق بينهم وبين المواطنين الأصليين...
أما من الناحية السياسية وعلى صعيد الدولة التي أحمل جنسيتها.. أثبت الوباء عمليا حكمة بريطانيا في عدم إنضمامها للعملة الموحدة.. ولا للفيزا الموحدة للإتحاد.. ثم خروجها السياسي من الإتحاد الأوروبي... برغم عجز الحكومة البريطانية في محاولاتها المستمرة تحجيم عدد المصابين والموتى.. وإن أثبتت أيضا ان المشكلة أكبر من أن تستطيع دولة واحدة القضاء عليها أو إيجاد المصل الواقي منها؟؟ فإن عجز الحكومة البريطانية في تحجيم عدد المصابين هي نفس المشكلة التي واجهتها إيطاليا والتي غيرت من لهجتها الإعلامية بعد أن خذلها الإتحاد الأوروبي في طلبها لقرض مالي لمساعدتها في الخروج من المحنة التي واجهتها كأول دولة في الإتحاد.. تبعتها في التذمّر إسبانيا والذي ظهر واضحا في مُطالبة سياسيي كلا الدولتين للخروج من الإتحاد أسوة ببريطانيا... في وسط كل هذا الصخب إستأنفت الصين وروسيا حربهما الغير مُعلنة على السياسة الأميركية وعلى رئيسها المتهور حين تقدمت كلتاهما لمساعدة إيطاليا وإسبانيا؟؟؟؟

أثبت إنتشار الوباء.. بأن إعتماد حكومات هذه الدول على مؤسسات الإتحاد والتي لا يعرف شعوب دولها أسماء قيادييها أو كلفتهم المادية على جيوب دافعي الضرائب.. ولا قدرتهم على إنتخاب هؤلاء القياديين في الإتحاد. بحيث فضح البيروقراطية التي بدأت تأخذ طريقها إلى مؤسساتها كدول مستقلة؟؟؟

إضافة إلى أن نأي الولايات المتحدة الأميركية عن دفع مساهمتها في منظمة الصحة العالمية. فتح باب تساؤل كبير ما بين مؤيد للقرار ومعارض له. ولكن ليس هناك من شك بأن ترامب فتح باب المساءلة الشعبية حول مصروفات وإمتيازات موظفي هذه المنظمات الدولية ومدى فاعليتها على جميع الأصعدة التساؤل المُشابه حول أهمية وجود الإتحاد الأوروبي من ناحية آليات عملها ووضعها التنظيمي والأهم كمية الهدر في الإنفاق.. مشابها بذلك الموقف الشعبي قبل سنوات عن العشاء الباذخ في أحد قمم إجتماع الدول العظمى العشرين في سويسرا؟ ويبقى الأمل الوحيد لإستمرار أهم هذه المنظمات.. في تحجيم نفقاتها وفي إمكانية العالم الإفتراضي الجديد في تخفيض نفقاتها..

هناك من يعتقد بأن أكبر خطر لتبعات هذا الوباء.. بأن تنافس الدول الكبرى سيؤدي لحرب عالمية ثالثه.. أرفضها وأؤمن تماما بأنها بعيدة الإحتمال.. لأمرين الأول أنها ستقود لتدمير العالم بسبب الكم الهائل من الأسلحة العسكرية والنووية.. وتكلفتها الباهظة ماديا وبشريا.. والثاني والأهم الحكمة والدروس التي إكتسبتها هذه الدول من تجاربها العسكرية السابقة..
وعليه تبقى للتبعات الإقتصادية الأولوية بحيث تكون الحكم في قدرة الحكومات الأوروبية والعالمية على الإستمرار بشكلها الحالي أو صعود سياسي مُتأني لأفكار جديدة..تدعم الدولة القومية تهب رياحها من الشرق.. بدون كشف مدى طموحاتها السياسية ولا إستراتيجياتها الإقتصادية التي ستستند عليها.
وتبقى قدرة الإتحاد الأوروبي على البقاء والإستمرار في مهب الريح.. حتى بعد تعهد دول الإتحاد (فرنسا وألمانيا وبلجيكا ) بتخصيص مبلغ 500 مليار يورو لمواجة تبعات كورونا.. والذي أعتقد أنه سيتعرض لغضب شعبي خاصة مع زيادة البطاله المتوقعه.. والعبء الإقتصادي الذي تتحمله دول الإتحاد بعد زيادة عدد أعضائها من دول أوروبا الشرقية الضعيفة إقتصاديا وشعوبها القادمه للإستفادة من خدمات الرعاية الصحية والإجتماعية... برغم توفيرها لأيدي عاملة ماهرة.

إحتمالية الغضب الشعبي في جميع دول الإتحاد و في بريطانيا واردة قطعا حتى مع رسوخ مفهوم عمل الخير ومساعدة الآخر. فكلما زادت معاناة الشعوب وعجزت الدولة عن تقديم المساعدات التي تعود عليها المواطن ..كلما زادت النقمة على القادمين الجدد. وفي مجتمعات منقسمة تماما في جغرافيتها وفي ثقافتها الخوف الأكبر توجيه هذا الغضب للاجئين الجدد القادمين من دول العالم المختلفة.. وعبئهم على دافع الضرائب خاصة في تحايلهم على مؤسسات الضمان الإجتماعي والنظام الضريبي.. في ظل إنقسام مجتمعي ثقافي حاد؟؟

الضوء الأخضر الذي قدّمته هذه العزلة. ستغيّر الكثير من أنماط السلوكيات في حياة البشر جميعا..وإعادة تقييم سلم أولوياتهم الإستهلاكية الباذخة وإنعدام الطلب على الكثير من تلك السلع. بدورها ستُجبر الحكومات على إعادة تقييم سلم أولوياتها في ظل العدد الكبير من العاطلين عن العمل.. ستوجه أولآ على سياسات الإكتفاء الذاتي الغذائية .. وثانيا على ترشيد السلوك العام في الإقتصاد الإستهلالي عموما.. لإعادة تدوير الكثير من السلع لمساعدة الطبقات الفقيرة.. والعمل على تشجيع الصناعات المحلية بكل أشكالها.. مما سيُلزم معظم هذه الدول لتحولات جذرية و إعادة النظر في سياسات العولمة والإقتصاد الحر.. وبطلب شعبي من مواطنيها .. وستبقى العولمة الوحيدة خطر الوباء .. وقدرة الدولة في تحجيم فترة معالجة تداعياته ولكن ستبقى الحلول الإستباقية لما بعد كورونا هي معيار لإستمرار الحكومات أم الدخول في الفوضى ؟؟؟؟ والمعيار الأساسي للتعاطف العالمي كما كان؟؟؟؟