اعتقلت المخابرات السورية فائق المير أسعد، عضو الأمانة العامة لحزب الشعب الديموقراطي السوري، في 7 تشرين الأول 2013. لقبه "العميم"، "عميم الثورة"، ولد عام 1954 في بلدة القدموس، وانضم إلى الحزب الشيوعي السوري، المكتب السياسي، في العام 1972 مع بداية افتراق الحزب عن المدرسة البكداشية وخلافه معها حول ضرورة استقلالية الحزب في سياساته وقراراته الوطنية، وموقفه ضد نظام حافظ الأسد، وضد المشاركة في الجبهة الوطنية التقدمية. في نيسان من العام 1979 اعتقلته المخابرات العسكرية لمدة شهر لتوزيعه منشورات الحزب حول تشكيل التجمع الوطني الديموقراطي، وفي آذار من العام 1983 سرّح من عمله بناء على طلب إدارة الأمن السياسي، وفي نيسان من العام 1987 اعتقله الأمن السياسي بالرقة لمدة خمسة وثلاثين يوماً بالتهمة نفسها، وفي تشرين من العام نفسه دهم الأمن السياسي منزله وتوارى عن الأنظار إلى أن اعتقله فرع الأمن العسكري في دمشق في العام 1989 وبقي قرابة ثلاث سنوات في الزنازين ونُقل إلى سجن صيدنايا حيث حكمته محكمة أمن الدولة لمدة عشر سنين وأفرج عنه في نهاية العام 1999 بعد انتهاء الحكم. في العام 2002 اعتقله الأمن العسكري لمدة أسبوع في حمص، والأمن السياسي لمدة عشرة أيام في اللاذقية، وفي العام 2006 اعتقله أمن الدولة بدمشق بعد زياراته لبنان ممثلاً لحزب الشعب الديموقراطي السوري في تقديم التعزية بشهداء لبنان جورج حاوي، سمير قصير وجبران تويني، وحكم عليه في تلك القضية بالسجن ثلاث سنوات خفضت إلى عام ونصف عام في سجن عدرا، وفي العام 2010 دهم الأمن منزله في مدينة طرطوس فتوارى عن الأنظار منذ ذلك الحين ليحكم عليه غيابياً بالسجن 15 عاماً، وليعتقل بسبب نشاطه كأحد وجوه ثورة الحرية والكرامة السورية في 7 تشرين الأول2013 " ولايزال مصيره مجهولا حتى اللحظة، مثله كمثل عشرات الالاف من المعتقلين في سجون الاسد.

هو غير كل هذا هو اب وجد. هو صديق شخصي لكثيرين حتى لو اختلف معهم في الرأي والموقف احيانا. كنت واحدا منهم في سجن صيدنايا العسكري. ودود وشهم.

هذه المقدمة المختصرة عن حياته، كي ادخل الى فضاء النقاشات التي اثارتها مقابلة رياض الترك مع جيزيل خوري في البي بي سي عربي. تم بث هذه المقابلة في الاسبوع الاول من هذا الشهر. كما هو معروف ان رياض ترك هو الشخصية الاكثر فاعلية في حزب الشعب الديمقراطي، الذي كان العميم قياديا فيه لحظة اعتقاله الاخير. في حضور فائق المير في معتقله ووضع ثورتنا السورية المهزومة. يستدعي منا ان نثمن دور العميم في النقد الايجابي ايضا لمسيرة حزب الشعب، وابن العم كونه دوما المستهدف والدريئة التي يختبأ خلفها كثر من رفاقه في الحزب، والدريئة التي يطلق فيها النار على تجربة هذا الحزب. رياض الترك الان بلغ التسعين عاما.

إذا كان رياض الترك واجهة الحزب، فان العميم ابو علي كان من اهم محركات نشاط هذا الحزب قبل اعتقاله. فإذا كان رياض الترك زائرا للسجون منذ ايام جمال عبد الناصر وانتهاء بسجون الاسد الاب والابن. فان العميم كان زائرا ايضا للسجون الاسدية كما هو واضح في سيرته.

بعد تلك المقابلة مع جيزيل خوري، كتب كثير من الاصدقاء مقالات وتعليقات سريعة على السوشيال ميديا تنتقد تجربة ابن العم رياض الترك وليس حزب الشعب. سأحاول وفاء للعميم ابو علي في اعتقاله من اجل حرية سورية من هذه الاسدية ان ادلو بدلوي في هذا الموضوع، لأنه جزء من تاريخ بلد وشعب قدم الغالي والرخيص من اجل حريته وكرامته.

- ابن العم كان ديكتاتورا في حزبه! هذا انتقاد جوهري يوجه لابن العم. في اسقاط تاريخي دون المرور على انه لا يوجد حزب يساري في الشرق الاوسط تقريبا كان ديمقراطيا في حياته الداخلية. بالمعنى النسبي للعبارة، بما فيهم الحزب الذي كنت أنتمي اليه، وهو حزب العمل الشيوعي في سورية.

بدون تحليل هذه الظاهرة سيبقى توجيه السهام لابن العم فقط، أمرا يقف خلفه موقف سياسي وليس تحليلا موضوعيا للظاهرة. البنية التنظيمية والايديولوجية للحركة الشيوعية في العالم بهذا الشكل او ذاك كانت تهتدي بالستالينية. وقبلها باللينينية. لينين منذ تأسيس الحزب الشيوعي السوري وحتى مماته بعد انتصار الثورة بقي الرجل الاول في الحزب.

إذا هي ظاهرة عامة تطال اليسار عموما. ابن العم ليس استثناء. إذا اضفنا بالطبع الى ان حزب الشعب وحزب العمل كان يعاني من القمع الشديد، والعمل السري خوفا من البطش الاسدي الذي لا ينتج حياة ديمقراطية صحية.

- هنالك من ينتقد ابن العم ديمقراطيا!! وهو يتحالف مع احزاب أكثر استبدادية الان.

الحزب الجماهيري الوحيد في سورية في عهد الاسدين الذي تغيرت قياداته، عبر عملية انتخابية هو جماعة الاخوان المسلمين!. الذين يتحملون مسؤولية كبرى في وصول وضع المعارضة السورية الى هذا المشهد المأساوي. هذه قضية تحتاج لتأريخ لوحده. حاول الدكتور برهان غليون في كتابه" عطب الذات" ان يغطي جانبا من هذا التأريخ.

- في الوقت الذي يهاجم ابن العم لم أجد وثيقة واحدة من حزب الشعب تحاول ان تغطي هذه المرحلة بشكل نقدي. ليس لتدافع عن ابن العم، بل لتدافع عن خيارهم في التحالف مع الاخوان المسلمين. لأن هذا خيار الحزب وليس خيار رياض الترك لوحده.

- مع ذلك نرى اللوحة الان: هنالك تجمعات يسارية صغيرة وحزب الشعب هذا في الطرف العربي، لا يوجد فيها نسبيا حياة ديمقراطية حقيقية.
- في الطرف الكردي هنالك حزب البي كي كي كحزب يساري تتحكم قيادته التاريخية من قنديل بالحياة السياسية في الساحة الكردية في سورية بالتلفون.
لاحظوا ايضا الانشقاقات وكثرة الاحزاب الكردية السورية التي خارج قسد أكثر من 25 حزبا.

- رياض الترك لم يكن يرى في حزب العمل الشيوعي سوى فاتح جاموس كقيادي طائفي فيه اثناء فترة نهاية السبعينيات. وحزب العمل الشيوعي لم يرى في حزب الشعب غير ابن العم. وفقا للمنطق الاسقاطي الذي تتم قراءة تجربة رياض الترك الان، يخرج المرء بنتيجة محزنة ومأساوية. وفقا لهذه القراءة، ان رياض الترك في انتقاده للحزب عبر فاتح جاموس بانه حزبا طائفيا، وبانتقاد الكثير من اعضاء حزب العمل بان رياض الترك طائفيا!! اعتقل ابن العم 18 عاما منذ عام 1980 وحتى عام 1998. وفاتح جاموس اعتقل عام 1982 وبقي حتى عام 2000. فاتح وقف ضد الثورة عام 2011 واختط خطا ثالثا كما سماه. كلا الانتقاديين كان غير صحيحا وله جذر طائفي في بعضه، لكن القصة كانت تتمحور حول تزعم اليسار السوري المناهض للأسدية.

- في تحالف حزب الشعب مع الاخوان يحكى مواويل. لكن هل هذا التحالف هو من هزم الثورة؟ ماذا فعلت الدول التي احتلت سورية مع الاطراف التي رفضت الانخراط بهذا التحالف؟ وماذا فعلت مع الثورة عموما والشعب السوري؟ منها من ساهم بالمقتلة الاسدية ومنها من أشرف ومنها من تواطأ. كان ابن العم هو من اتى بهذه الاحتلالات السبعة الى سورية! يجب في سياق نقد الخيار الاستراتيجي لابن العم وحزب الشعب الاجابة عن هذه الاسئلة.

- من قال ان ابن العم لم يحاول تشكيل حلفا بعيدا عن الاخوان؟ أين هي القوى التي خارج الاخوان؟ اين هو المجتمع الدولي" الاخلاقي" الذي يدعم معارضة لا تتحالف مع الاخوان؟

في النقاش مع ابن العم يجب ان يناقش الخيار السياسي هذا لان ابن العم رغم اعترافه بالأخطاء من قبل الاخوان، الا انه لايزال يرى انه هذا الخيار هو الاكثر جدوى لأسقاط الاسدية.

يجب مناقشة هذا الخيار بتفاصيله، لأنه خيار اشكالي يمكن ان يكون منتجا، ويمكن ان يكون مدمرا.

- خطأ ابن العم وحزب الشعب وقياداته انهم سلموا التحالف هذا ليس للإخوان فقط بل لشخصيات وصولية وانتهازية من المحسوبين على الاخوان. وكانوا كالإخوان لا يريدوا ان يسمعوا احدا. ليس ادعاء لكن كان صوتنا كأقلية منذ اليوم الاول للثورة، واثناء نقاشات حول ما يمكن ان يكونه عمل وخطاب المجلس الوطني السوري. ان هذه الاسدية لا تسقط لا سلما ولا عسكرة دون قرار اسرائيلي امريكي.

ما عرضته من نقاط هو فقط لإثارة مسائل تحتاج لحوار وقراءة مختلفة وتفصيلية، بعيدا عن الاسقاط للحاضر على الماضي بقيمه ومعاييره في نقد تجربة ابن العم مع حزبه مثلا.

نعم ابن العم وحزب الشعب واعلان دمشق، اخطأوا في ادارتهم لهذا التحالف مع الاخوان المسلمين.

لان فائق المير العميم يخطر على بالي دوما وخاصة كلما قرأت مادة عن ابن العم او عن حزب الشعب. وددت ان اذكره في هذا السياق. الحرية له ولكل الشعب السورية من هذه الاسدية القاتلة.

كل شخصية عامة يجب ان تتابع وتنتقد هذا خيار انساني. ومن لا يعجبه لقعد في بيته.

على اليسار السوري ان يجد مكانا جديدا بعد هذه الهزيمة لثورتنا المغدورة.