مؤخرا، خلال جلسة برلمانية، قال نائب اشتهر ب"سياحاته" الحزبية المتعددة، للسيدة عبير موسي بأن مكانها الحقيقي هو "عبد الله قش". و"عبد الله قش" لمن لا يعرف العاصمة التونسية هو "شارع البغاء العلني في المدينة العتيقة، منه تفوح رواح البخور في الليل كما في النهار تيمنا وتبركا بأقدم مهنة في العالم.

وبعد انهيار نظام بن علي، هجم السلفيون المتطرفون على هذا الشارع الضيق غير أن مرتاديه، والمنتفين منه، صدوهم بالقوة ليستعيد الشارع الخلفي حياته العادية المتمثلة في التخفيف من الهيجان الجنسي الذي قد يؤدي إلى ما لا تحمد عقباه.

والواضح أن هذا النائب يعاني من جهل مرعب بتاريخ بلادها، وبتقاليدها. ولو كان عارفا بذلك، لما سمح لنفسه بالتفوه بمثل هذا الكلام إذ أن شارع "عبد قش" يحتل مكانة بارزة في الحياة الاجتماعية والجنسية في تونس، ومنه استوحى كتاب وشعراء قصائدهم، وقصصهم. والواضح أيضا أن هذا النائب لم يقرأ ولو القليل من كتاب "الأغاني" ، ولا مسرحية سارتر الشهيرة" البغي المحترمة"، ليعلم أن بين البغايا نساء فاضلات، بقلوب كبيرة، وبنفوس طيبة عكس سيدات المجتمع الراقي اللاتي تتظاهرن بالفضيلة في العلن، وفي السر تفعلن ما لا تقدم عليه الساقطات.

واعتداء هذا النائب على السيدة عبير موسي ليس الأول. فعلى مدى السنوات العشر الماضية، وباسم الديمقراطية، استفحلت البذاءة، وبات الانحطاط الأخلاقي مهمينا على الحياة السياسية في البلاد بشكل لم يسبق له مثيل. وجميع الأحزاب التي جاءت بها ثورة" الكرامة والحرية" تمارسه من دون أي حياء ولا تحفظ سواء تحت قبة البرلمان، أو في البرامج الاذاعية والتلفزيونية.

ومن المؤكد أن الهدف الحقيقي من كل هذا هو لفت الانتباه، والبحث عن الشهرة. حتى الأموات لا يسلمون من مثل هذه الاعتداءات التي أصبحت مثل الملح الذي لا يغيب عن طعام. والزعيم بورقيبة هو أشهر ضحايا الثلب والشتم من قبل سياسيين وبرلمانيين يعتقدون أن الديمقراطية تسمح لهم بتزوير التاريخ، وبالنيل من الشخصيات الكبيرة، والدوس على أرواحها في غياب تام لأدنى مستوى أخلاقي وقانوني.

والغريب أن هؤلاء هم نجوم البرامج السياسية في الإذاعات، وفي القنوات التلفزيونية التي ينشطها صحافيون يشتركون معهم في الجهل، وفي الرعونة، وفي البذاءة. وبذلك يتأكد لنا مرة أخرى أن الديمقراطية على هذه الصورة، وبمثل هذا المستوى، هي في الحقيقة كارثة على تونس، وعلى شعبها.