ليس من حق السلطات، إن كانت في بغداد أو إقليم كردستان، ان تعبث بمستحقات رواتب موظفي إقليم كردستان أو العراق عموماً، وتجعل الأمر بمثابة ورقة ضغط على البعض في مناورات ومفاوضات سياسية.

ينبغي أن تظل الأزمات الأقتصادية والمالية، في مطلق الأحوال، ولاسيما الصراعات السياسية، في نطاقها الموضوعي وحسب ولاتتعدى ذلك، وأن تلتزم بقواعد ما، أو بقوانين متفق عليها، ولا تتجاوز الممارسات السياسية حدودها المتصلة بإدارة شؤون البلاد والعباد، فما بالك أن تفضي بنا اليوم، مجدداً، الى جحيم يحرق ثانيةً وأمام أعيننا الأخضر واليابس مِن دون أدنى مراعاة لمشاعر المواطن وما يعيشه البلد من ويلات، وما يعاني منه المجتمع من أزمات خانقة ربما لن نجد من يطيقها على هذا الكوكب إلا شعب مقهور كالشعب العراقي.

فالسياسة ليست هكذا يا معشر الساسة والحُكام! ولاتُمارس بهذه الطريقة القاسية والخالية من المسؤولية. كيف يحق، بالله عليكم، أن تقطعوا رواتب موظفي الدولة في أي شبر من البلد ولا تأبهون بأي شيء ولاسيما في هذا الشهر المبارك؟!، ألا تخشون من صيتكم السياسي وصورتكم في ذاكرة الشعوب؟ ألا ترون أن ما تقومون به، هو كل شيء إلا السياسة؟، كل شيء إلا الحكمة والعقلانية في مواجهة الأزمات؟.

ألا تشعرون بإن إرجاع سبب الفشل، الذي منيتم به في إعمار البلد وتحقيق إزدهار المحافظات الوسطى والجنوبية في العراق، الى مجرد مبلغ يُصرف للإقليم والذي لايشكل(10%) من الموازنة السنوية للدولة، هو ليس إلا إستخفافاً بالعقول؟، ألا ترون أن هذه التسويغات والتسويقات السياسية المُضَلِّلة للرأي العام العراقي، لا تفيدكم في شيء؟ ولا يؤمن بها إلا الإنتهازيين في حقل السياسة والمتورطين في تدمير البلد؟ هل نسيتم ان العراق وبفضلكم!- كما قال لنا "هيكل"(1923-2016م) في حينه - "قد أصبح مجرد عبارة عن بنك استولى عليه مجموعة من اللصوص، ليس لهم علاقة لا بالسياسة ولا بحكم ولا بإدارة دولة"؟.

ان السياسة كما لخصها المفكر والمحلل السياسي "ديفيد إيستون"(1917-2014م) في جملة واحدة، هي عبارة عن "دراسة تقسيم الموارد الموجودة في المجتمع عن طريق السلطة"، كما أنها حقل مرتبط بمصالح عامة الناس ولاينبغي الإنفراد بقراراتها وأحكامها، لاسيما إذا ما أدَّعينا الحد الأدنى من الديمقراطية وإحترام إرادة الشعوب، ولم يستنتج الجنرال "ديغول"(1890-1970م) مقولته الشهيرة في حينه من فراغ، حينما قال: "ان السياسة موضوع أخطر بكثير من أن نتركه للسياسيين"، لماذا؟ لأنهم، وبكل بساطة، ليسوا كل شيء، بل هم ليسوا سوى جزء ضغير من شيء أعظم ألا وهو الشعب وبدونه لايساوون شيئاً.

وعليه، نقول لكم هنا وبلغة في غاية الوضوح والبيان، دعوا الشعب يعيش بكرامة وبعيداً عن الإذلال والمزيد من صراعاتكم العقيمة ومرارات الفساد واللامسؤولية، أتركوه يحصل على لقمة عيش بعد ان جردتموه من كبرياءه وكرامته وخياراته وقراراته.

وما يتعلق بسلطات إقليم كردستان، فنحن هنا لم نَقِف يوماً من نقدها وإدانة سياساتها غير الناجعة، وثمة إحتجاجات شعبية كبيرة اليوم، بل مواقف سياسية شجاعة حتى لبعض من الأحزاب الحاكمة نفسها، ترفض وبقوة أي شكل من أشكال عبث السلطات في الإقليم بقوت المواطن تحت أي ذريعة كانت، ولاتشاطر أي مساعي أو إجراءآت تجعل الموطن ضحية لأي إخفاق إداري أو أي مغامرة إقتصادية أخرى من قبيل بيع نفط الإقليم دون الإتفاق مع بغداد والتنسيق معها وفقاً للإملاءآت الدستورية والقوانين المعمول بها.
*كاتب وأكاديمي من كُردستان العراق