قراءة سريعة لمجرى الأحداث في تاريخ الكرد في سوريا, تؤكد ببساطة شديدة على أنهم كانوا ضحية فساد قوى سياسية فاشلة تبنّت شعارات زائفة ،ادعت تمثيلها له بعد ان فَرغت الساحة من الاوفياء لظروف قاهرة ، حيث تمت محاربة كل من يدافع عن حقوقهِ المشروعة اما بالاعتقال او الاغتيال او المنفى والحصار من كافة الجوانب المختلفة ،لقد تم محاربة هذا الشعب من كافة النواحي كي يبقى في مكانهِ عاجزاً ومشلولاً عن فعل أي شيء أمام الخيانات الداخلية من جهة ،وأمام جبروت الأنظمة والقوى المعادية لطموحاته في نيل حريته وحقوقه العادلة وصون كرامته من جهة أخرى.

لقد ضرب النظام السوري والتركي والإيراني مُعظم مصادر الاقتصاد في المناطق الكردية، حين بدئوا في كوباني عام 2014 والتي تمت إبادتها أرضاً وشعباً من خلال امتلاكهم خيوط تنظيم داعش ودفعهم لهذا الإرهاب باتجاه الكرد، احتلوا عفرين السلام عام 2018 وتمت ابادتها كذلك أرضاً وشعباً من خلال الاستيلاء على مساحات شاسعة من حقول الزيتون المصدر الاقتصادي الوحيد التي كانت تمنح عفرين الحياة والازدهار، ومن الجانب الآخر كانوا قد توجهوا مسبقاً في بدايات عام 2012 للاستيلاء على معظم آبار النفط مناصفة بين النظام ومواليه من بعض العشائر الخاضعة لسلطة البعث وبعض وكلاء إيران المنسقين مع الحرس الثوري الايراني، مع ما تبقى من الآبار التي ظلت تحت تصرف حزب الاتحاد الديمقراطي ولم يُسمح لهم بتصديرها وإنما للاستهلاك المحلي فقط مع بعض الثغرات ببيعها عن طريق إقليم كردستان العراق.

تلك السياسة الواضحة لا بل اللعبة الخبيثة استخدمتها القوى المتصارعة داخل سوريا لإضعاف الكرد وجعلهم على أبواب الآخرين يمدّون يد العون والمساعدة ،ولكن هذا الشعب ظل صامداً اما بعض الشخصيات في هرم الأحزاب الكردية التي استولت على أسماء احزابها لجأت إلى التسوّل إما لدى تركيا أو النظام السوري أو بعض الأطراف الخارجية الأخرى ,متجهين بذلك إلى بيع كل القيم والمبادئ في سبيل المصالح الذاتية والحزبية الضيقة.

هناك حقيقة ربما تكون صادمة لتلك القوى والتي تتمحور حول الوجود الكردي المتعلق في ضمير أبناء هذا الشعب الأوفياء بعيدين عن الأطراف الحزبية ،هذا الشعب ومن خلال التاريخ وحروفهِ والحاضر وأحداثهِ اثبت وبجدارة أن قوته في وجوده الرافض لسياسة القمع والتنكيل والمتاجرة، هذا الشعب الذي كان وما زال سلاحه القلم والفكر والضمير والإنسانية، حين تشتد الصِعاب على كتفهِ ويتجمع الأعداء حوله لتضييق الخناق حوله و ارغامه على القبول بالعبودية ينهض بكل فخر وجرأة ليقول نحن شعب صامد ومُضحي لا نرضخ إلا للحق ولن نتنازل عن مستقبل ابنائنا ليكونوا عبيد أنظمة ديكتاتورية فاشلة هدفها الرئيسي الإقصاء والتهميش والقمع.

يتلقى الكرد الضربة تلوى الاخرى في اقتصادهِ ، لكن عزيمته التي خلقتها الجبال والحروب التي سقطت عليه اثبتت أنه يتحمل ما لم يتحمله أي شعب آخر في الشرق الأوسط يخرج بكل تأكيد بعد كُل خيانة يتعرض لها ليكون له كلمة الفصل في تقرير مصيره وليثبت على الدوام أن كل ما جرى من مخططات ومؤامرات ذهب في مهب رياح الجهل والعنصرية والتطرف ،سينتصر هذا الشعب بفكرهِ المتسامح ومبادئهِ وثوابتهِ وتماسكهِ، وما خلافات الاحزاب كثيرة بعددها ، لكن الشعب لم يختلف فيما بينهم ابدا ، وتلك الضربة مردودة في زمانها ومكانها حين تحين ساعة الصفر.

باحث في الشؤون السياسية والعلاقات الدولية