كان صدام حسين وبشار الأسد، وقبله والده حافظ أسد، يُصنفون ضمن قائمة الحكام العلمانيين والديمقراطيين، فقط لأنهم غير معممين، ولأنهم جعلوا شرعيتهم مُنتَجةً علمانيةً مولَّدة من انتخابات واستفتاءات شعبية تديرها المخابرات وأجهزة السلطة الأخرى المملوكة بالكامل للنظام.

وينعتُهم العالَم الخارجي المنافق أو الجاهل أو الخبيث بذلك رغم أنهم جميعا، ومَن على شاكلتهم، جاؤوا بدبابة، وسقط من سقط منهم بدبابة، ومنهم من ينتظر. وبرغم أن كل واحد من هؤلاء الجزارين المتمرسين في السلخ والنفخ كان يذبح العلمانية والديمقراطية كل يوم، وكل ساعة، ويلطخ وجهها بدماء ضحاياه بسلطة السكين والخنجر والساطور، وجهاد الشبيحة والحرس الجمهوري والمخابرات.​

حتى جاءنا الغزو الأمريكي 2003، والإيراني فيما بعد ذلك، ليشهد العراق ديمقراطية أخرى من نوع مبتكر عجيب وغريب.

فجميع قادة الأحزاب الدينية والأسرية والإقطاعية الرجعية الديكتاتورية الانتهازية أصبحوا ديمقراطيين يحتلون مناصب الدولة ويتصرفون بثرواتها بشرعيةٍ يستمدونها من انتخاباتٍ يسمونها ديمقراطية، ولا يخافون ولا يستحون.

ونسون أو يتناسون أن الانتخابات وحدها ليست هي الديمقراطية، حتى لو كانت صحيحة وغير صورية وغير مزورة ولم يقرر الحاكم نفسُه نتائجَها قبل أن تبدأ، بإرهاب الناخبين بخناجر كتائبه المسلحة وسيوفها، أو بفتاوى مناصريه الشيوخ والسادة المعممين وعاظ السلاطين، أو بأحكام القضاء المدجن، أو بشراء الناخبين بوظائف أو بأموال مسروقة من خزائن الأمة، أو واردة من وراء الحدود.

أما شروط الديمقراطية الأخرى، كالقبول بالآخر، والوسطية، واحترام الرأي المخالف، والتداول السلمي للسلطة، وضمان حرية الفكر والعقيدة، فأمور هامشية لا يرون غضاضةً حين ينكرونها، أو يتحايلون عليها ويعملون بعكسها. وسجل حكومات ابراهيم الجعفري ونوري المالكي وحيدر العبادي وعادل عبد المهدي، وترشيحات علاوي والزرفي والكاظمي أمثلة على ذلك، بدون ريب.

إن الديمقراطية في النهاية ثقافة وسلوك وطبيعة. والسلطة الديمقراطية لا تولد إلا من رحم شعب ديمقراطي. (كيفما تكونوا يُولَّ عليكم).

ولأننا تربينا على الاستبداد والعصبية القبلية والطائفية والعنصرية، جيلا عن جيل، فمن الطبيعي ألا نلد إلا حكاما غير دمقراطيين.

وانظروا ماذا حل بالعراق على أيدي هذه الشلل من حكامٍ يدوسون على القوانين والدستور والأخلاق والأصول بأحذيتهم الطائفية والعشائرية المتعصبة، ويمزقون الصفوف، ويعطلون البناء، ويصادرون الأمن والأمان، ويبعثرون ثروات الوطن، ويجوعون أهله، ويشردون منهم الملايين، باسم شرعية الانتخابات والديمقراطية وهي منهم براء.

والذي ينبغي الاعتراف به هو أن الحكم الحقيقي في العراق العربي والعراق الكردي مُحتكر إما من حكام شيعة مفروضين على الشارع الشيعي بقوة الوصي الجالس وراء الحدود، أو من حكام كورد مسلطين على الشعب الكردي. أما من كان اُلحق أو يُلحق حق بهم من طوائف وشرائح عراقية أخرى فليسوا أكثر من نمنمات تزويقية احتاجتها المصلحة وفرضتها الظروف.

وبالتالي فإن حياتنا لن تنصلح ولن تعود عزيزة وآمنة ومزدهرة، كما كانت، إلا إذا خرجت الجماهير العراقية، كلها، بشيعتها وسنتها، بعربها وكردها، معا، في انتفاضة جديدة ماسحة كاسحة لا تتوقف إلا عندما تنتصر وتعيد وطنها إليها سالما ومعافى، بلا ديمقراطية ولا ديمقراطيين من هذا النوع المغشوش.

ولكن متى، وهل يتحقق هذا الأمل المنشود ذات يوم، أم هذه أحلامُ عصافير؟