قبل بضعة أشهر، اجتمع قادة الصناعة من مختلف أنحاء العالم في مملكة البحرين لحضور منتدى مصرف السلام. وحضرت العديد من الشخصيات البارزة ومنهم وزير النفط البحريني ومايكل ميلكن، رئيس معهد ميلكن، وغيرهم من الشخصيات المرموقة لمناقشة مستقبل النفط والتكنولوجيا المالية وتكنولوجيا الغذاء. وفي ذلك الحين، لم تشعر المملكة، بل والعالم أجمع، بوجود ترابط حقيقي أقوى من ذلك. أما اليوم، فنحن نواجه ادعاءات قوية تتنبأ باختفاء العولمة، على النحو الذي جعل المنتدى يبدو وكأنه انعقد منذ ألف سنة.

ولكن يبدو أن مثل تلك الادعاءات تظهر دائماً مع وقوع كل أزمة عالمية جديدة. وقد شهدناها بالفعل مع تداعيات الأزمة المالية العالمية في عام 2008، حين ازدادت المخاوف من عدم استعدادية الدول للمثول للقدر المطلوب من التعاون الاقتصادي الدولي، ولكن العالم تمكن من التنسيق والعمل معاً. وظهرت ادعاءات مماثلة كذلك بعد كارثة فوكوشيما النووية، عندما اتضح حجم سلسلة توريد الرقائق الدقيقة العالمية التي انحصر جزء كبير منها في اليابان، واتجهت الشركات الدولية بعدها لنقل مصادر التوريد إلى تايوان. وها هي الادعاءات تظهر الآن مع اجتياح جائحة كوفيد-19 العالم.

ومع ذلك، ينفتح العالم أكثر كما لو كان في تحدٍ مع تلك الادعاءات. فلننظر إلى منطقة الشرق الأوسط حيث تتسابق البلدان لتنويع اقتصاداتها، التي تعتمد حتى الآن على المنتجات الهيدروكربونية، وذلك بما يتماشى مع الاحتياجات المتغيرة للعصر الرقمي. وتعتبر دول مجلس التعاون الخليجي مثالاً على ذلك التحدي، فقد شهد العقد الماضي قيام الدول الأعضاء، كالمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، بفتح حدودها على نطاق أوسع للعمال الأجانب، واستثماراتهم وأفكارهم، بل وحتى للمنافسة الأجنبية.

وعلى وجه الخصوص، لطالما كانت مملكة البحرين رمزًا للانفتاح على الخارج في المنطقة. فقد مارست البحرين دورها كمركز عالمي للتجارة لآلاف السنين، وتمتعت بموقع متميز على امتداد طريق الحرير الذي ربط الشرق بالغرب ، ولذلك كانت المملكة موقعاً مناسباً لإطلاق صندوق (MEC فينتشرز)، وهو الأول من نوعه في توحيد أسواق التكنولوجيا ورأس المال الصينية والشرق أوسطية، بالشراكة بين مصرف السلام وشركة الاستثمار الصينية (MSA كابيتال).

يجلب الصندوق الخبرة الصينية إلى المنطقة. وتشمل الخبرات الصينية تجربتهم مع تفشي وباء سارس في عام 2002، الذي ينتمي إلى فصيلة كورونا أيضاً، ومعرفتهم بكيفية تشكيل الوباء للأسواق الصينية وسلوك المستهلك وأدوار الشركات وتغير أنماط عملها بشكل دائم. لقد عمل وباء سارس كحافز لتبني التقنيات التي لم يسبق أن اعتمد عليها المستهلكون على ذات النسق من قبل.

وهذا ما نشهده مجدداً اليوم؛ تغيرات، بل وتطورات، في الأسواق العالمية، مدفوعة بأزمة عالمية ومنبثقة عن مجالات التكنولوجيا. ففي فبراير المنصرم، استثمر صندوق (MEC فينتشرز) في (Eureka)، وهي شركة إندونيسية ناشئة في مجال الذكاء الاصطناعي يمكنها تتبع وتنظيم كميات هائلة من بيانات الاتصالات المتنقلة. لذا هناك صندوق بحريني-صيني يستثمر في الأفكار التي توجه السوق والتي من المحتمل أن تنقذ الكثيرين في جنوب شرق آسيا. هذه هي تطورات العولمة، ومن الواضح أنها لا تختفي.

من الطبيعي وجود حالة عدم يقين بشأن الوباء المستمر، ويمكن بسهولة تحديد الأسباب التي تجعل توقعات اختفاء العولمة أقوى هذه المرة، فخلافاً لعام 2008، تضطر الدول إلى الانغلاق والنأي بنفسها عن العالم الخارجي، مما يجعل التعاون العالمي أكثر صعوبة، وعلى عكس فوكوشيما تتأثر سلاسل التوريد العالمية بشكل سلبي على مستوى العالم وليس في نطاق واحد، لذا من المحتمل أن تواجه الشركات التداعيات لأشهر قادمة وربما لسنوات.

ولكن العولمة ظاهرة إنسانية وانعكاس للقوة البشرية وقدرتها على التكيف والتطور من أجل البقاء. وفي عالم اليوم المترابط، تعني العولمة سهولة تبادل الأفكار، وليس فقط السلع والموارد البشرية والمال. وفي العصر الرقمي، لا يحتاج تبادل الأفكار إلى طرق أو مطارات أو موانئ للسفر. بالرغم من الادعاءات القوية التي تتنبأ اختفاء العولمة، نحن على ثقة بأننا لا نواجه نهاية العولمة، إنما تطورها.