وأنا أقلب محطات التلفزيون الفضائية، وقعت عيني على إعلان لإحدى القنوات الفضائية التابعة لدولة الامارات الشقيقة الحبيبة، والاعلان عبارة عن "شارع رئيسي" في الامارات كان قبل "الكورونا"، معروف بالحركة المرورية المكتظة فيه، ولكنه في الاعلان كان شبه حاليا.. والفكرة من الاعلان عبر هذا الأسلوب الاعلامي الذي يعرف ب "الابراز الاعلاني – foregrounding "، لفكرة ما، هي في "أدبيات كورونا" اليوم تعني بأن الشوارع "الخالية" هي في الواقع "مكتظة" بالوعي!

إدارة الأزمات علم قائم بذاته، وله أدبياته ومعاييره، سواء في الاستعداد لهذه الأزمات بشكل استباقي أو كردات فعل أو بشكل مستقبلي، وجائحة كورونا التي هبطت علينا فجأة كمثل ذلك الكائن الأسطوري في موروثنا الخليجي الذي يعرف ب "الياثوم/ الجاثوم"، والذي يهبط فجأة على صدر انسان ما ويعمل على كتم أنفاسه، شكلت تحديا في إدارة هذه الأزمة، شهادتي مجروحة في حسن ادارتها في وطني البحرين، وهي مجروحة أيضا في وطني الثاني الامارات، وها أنذا لا أمنع نفسي وأنا جار ومن أهل الدار في تسجيل سطور الاعجاب هذه بحسن إدارة الامارات لأزمة كورونا.

البيتان المتلاصقان جغرافيا واجتماعيا ومصيريا.. اتفقا بداية في إدارة هذه الأزمة على "شراء" الانسان مواطنا كان أو مقيما على أرضيهما، واتفقا أيضا عبر القيادتين الحكيمتين على اتباع أسلوب معروف في إدارة الأزمات يعرف ب "الإدارة من الخلف leading from the back" بحيث يتصدر المشهد أهل الاختصاص، والقيادة من الخلف توفر لهم كل أشكال الدعم والتوجيه والمتابعة، وهذه القيادة من الخلف فيها تحفيز مضاعف للفريق الوطني المتصدر المعني بالتصدي لهذه الجائحة، وفيها أيضا كسر للرتابة البيروقراطية التي توفر الوقت خاصة مع وباء ينتشر بسرعة شديدة وكل ثانية في مكافحته تحدث فرقا.

ما يثير الاعجاب حقا في إدارة الامارات لهذه الأزمة هو في تكامل العمل الميداني مع العمل البحثي في المختبرات الوطنية، والتي خرجت بالأمس القريب عن سبق طبي عالمي للامارات تمثل في إنجاز مركز أبو ظبي للخلايا الجذعية، في انتاج علاج مصاحب فعال لحالات فيروس كورونا المستجد، وأنا أكتب هذا المقال العمل جار في مختبرات مركز أبو ظبي على تطويره واستكماله بشكل ناجع نهائي. هذا التكامل الميداني والعلمي في إدارة الامارات لأزمة كورونا، هو ما جعلها حقيقة مثالا متفردا في المنطقة، ويوازي نهج دول قليلة في العالم، ممن سخرت السواعد والعقول في مكافحة هذا الوباء العالمي. وعودة هنا إلى كون الامارات "اشترت" الانسان قبل أي شيء آخر.. ها هي تحصد اليوم ما يسمى ب "عائد الاستثمار في رأس المال البشري – ROI"، في أحلك الظروف، ليتبين بأن الانسان هو فعلا ثروة الأوطان الحقيقية.

قبل الختام.. في عالم كورونا اليوم الذي أصبح فعلا قرية صغيرة في ترابطه على التباعد!.. لم تنس الامارات دورها الانساني عبر تسيير طائرات الإجلاء – وهنا أتحدث في حق غير مواطنيها- والمساعدات لمشارق الأرض ومغاربها.. هذا والامارات حالها كحال ذاك الذي وصف بأنه لا زكاة لماله، كونه يتصدق طوال السنة!.. ولكنه إرث زايد الذي لا تغيب شمس انسانيته عن هذا العالم، الذي تحتفل الامارات والعالم هذه الأيام بيوم زايد الانساني.

ختاما.. انقلوا عن محمد بن زايد في حديثه مؤخرا الذي دعا فيه إلى ترشيد الاستهلاك وعدم السرف: "لا خير في سرف مذموم، ولا سرف في خير محمود".