رغم بعض الشكوك التي يثيرها محللون ومراقبون حول امكانية تأجيل انتخابات الرئاسة الأمريكية المقررة في نوفمبر المقبل، فإن الشواهد تؤكد ـ حتى الآن ـ أن الأمر مستبعد، وأن الاستحقاق الانتخابي سينظم في موعده، ما يطرح بالتبعية تساؤلات أخرى حول هوية الفائز بهذه الانتخابات وفرص الرئيس ترامب في الفوز بولاية رئاسية ثانية.

الحقيقة أن تحليل مجمل الشواهد والظروف المحيطة بالانتخابات الرئاسية الأمريكية المقبلة، يشير إلى العالم سيكون بصدد جولة انتخابية غير مسبوقة، ليس من حيث الظروف والبيئة السياسية التي تنعقد فيها فقط، ولكن أيضاً للتقلبات المفاجئة التي يمكن أن تشهدها في الأشهر المقبلة. ولكن الواضح حتى الآن أن الأمور تمضي في مصلحة الرئيس ترامب رغم ضعف أدائه في معالجة أزمة تفشي فيروس "كورونا"، وما شاب هذا الأداء من أخطاء وثغرات فإن المزاج العام للشعب الأمريكي ـ كما تشير استطلاعات الرأي ـ لا يبدو غير مهيىء لتقبل فكرة التغيير في هذه الظروف المعقدة، لاسيما أن الرئيس ترامب يعزف جيداً على عواطف الشريحة الانتخابية المؤيدة له من الجمهوريين والفئات الأخرى، فهو يحرص على ابقاء نبرة الصراع والصدام مع الصين في واجهة الأحداث، ويسعى ليل نهار إلى تحميلها مسؤولية ما حدث، كما يحاول مسايرة شريحة الشباب التي تعاني البطالة جراء الأزمة، لذا فهو يقود الاتجاه الداعي إلى فتح الاقتصاد وانهاء حالة الاغلاق لتفادي المزيد من الخسائر والبطالة غير المسبوقة.

الثابت أن معركة الانتخابات الرئاسية الأمريكية قد لا تمثل أولوية في الوقت الراهن لدى الأمريكيين، وهذا بحد ذاته يصب في مصلحة الرئيس ترامب، لأن الأحداث متسارعة بشكل كبير ولا وقت لمحاسبة الرئيس على انجازاته ونجاحاته واخفاقاته في السنوات الأربع الماضية، فالكل منهمك في متابعة تأثيرات تفشي فيروس كورونا، بحيث لم يعد النقاش حول المعركة الانتخابية المقبلة يدور سوى في المراكز البحثية المتخصصة وليس عبر الفضائيات ووسائل الاعلام المختلفة كما جرت العادة. ولا يشغل بال الأمريكيين الآن سوى أنباء البطالة والخطط الاقتصادية لانهاء الاغلاق وعودة الحياة إلى طبيعتها تدريجياً، فالشعب الأمريكي الذي تحول فجأة إلى المتضرر رقم واحد عالمياً في هذه الأزمة، التي تسببت في تحول عشرات الملايين إلى صفوف البطالة في كارثة اقتصادية غير مسبوقة ويصعب الحديث عن حلول نهائية لها في الأفق القريب.

المعركة الانتخابية الأمريكية المقبلة ليست محسومة تماماً للرئيس ترامب كما يعتقد البعض، فالأمر لا يزال متوقف على فاعلية الاجراءات والسياسات التي سيتخذها للخروج من عنق الزجاجة الاقتصادي الحالي، فهو من سيحدد مستقبله السياسي وليس قدرات منافسه ـ الديمقراطي جو بادين ـ فالناخب الأمريكي يجد نفسه في ظروف استثنائية ولديه خيارات ليست الأفضل ـ سواء من الجمهوريين أو الديمقراطيين ـ وبالتالي ستكون النتائج والقرارات الملموسة التي سيتخذها الرئيس ترامب هي المحدد الأبرز لاتجاهات الثبات والتغيير في البيت الأبيض خلال انتخابات نوفمبر.

المؤكد أن الرئيس ترامب يبدي تصميماً قوياً على الفوز بولاية رئاسية ثانية، ولكن هذا التصميم قد يصطدم بعقبات نابعة من سياساته واستراتيجياته المتبعة خلال الأشهر المقبلة، كما يرتبط الأمر بقدرة منافسه على السيطرة على المجال العام وكسب المؤيدين لبرنامج عمله لانقاذ الاقتصاد الأمريكي، وفضح الأخطاء التي ارتكبها ترامب في معالجة الأزمة، ولكن تبقى المعضلة الأساسية التي تواجه بايدن في هذه الظروف متمثلة في ضعف أدائه الاقتصادي مقارنة بخصمه ترامب، وتبقى الأشهر القلائل المقبلة واتجاهات أزمة "كورونا" وتداعياتها في الداخل الأمريكي كأحد أكبر وأهم المحددات المؤثرة في اتجاهات هذا السباق الانتخابي الاستثنائي.