حتى لو جرى التهديد به ولو أنّ الإسرائيليين أرادوه فإنّ التجارب علّمت الفلسطينيين، المرة الأولى في عام 1948 والمرة الثانية في عام 1967 وما بعده في فترات متلاحقة، بأنْ لا يغادروا وطنهم وأن الأفضل لهم أن يبقوا في بلدهم وأن يكون الخيار هو حل الدولة الواحدة من البحر إلى النهر؛ أي دولة فلسطينية – إسرائيلية واحدة بحقوق متساوية بضمانة دولية وعلى غرار ما هو قائم في دول كثيرة في هذا الكون، وأنْ يكون الإحتكام لصناديق الإنتخابات تحت إشراف الأمم المتحدة.
لم يبق في فلسطين المحتلة في عام 1948 من شعبها إلا أعداد قليلة بقي تمثيلهم في الكنيست الإسرائيلي رمزياًّ وكمجرد "ديكور" تجميليٍّ يضحك به عتاة التطرف الصهيوني على ذقون "الغربيّين" الذين ساهم بعضهم كدول بالطبع في تلك الجريمة التاريخية، لكن ومع ذلك فإن ما تبقى في فلسطين المحتلة من أبناء شعبها بقوا يتزاوجون ويتكاثرون وبقوا يسبحون ضد التيار، وبرز من بينهم قياديون عظاماً وكفاءات إبداعية مثل إميل حبيبي وتوفيق زياد ومحمود درويش ورائد صلاح وغيرهم كثيرون، ومع الوقت باتوا يشكلون 21% من السكان، وبات عددهم مليونا و800000 وأصبحوا يشكلون قوة فاعلة في الكنيست الإسرائيلي.

وأغلب الظن لا بل والمؤكد أنّ دنيس روس، اليهودي الذي لعب أدواراً طليعية في الحياة السياسية الأميركيةّ كان دقيقا عندما ردّ على ما ينوي بنيامين نتنياهو القيام به من "ضم" لبعض أراضي الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وبالإضافة إلى ما سمي "صفقة القرن" بأن ذلك سيجعل من المستحيل فصل الفلسطينيين عن الإسرائيليين، وهكذا وبالتالي فإن إسرائيل، الدولة الإسرائيلية، ستتحول إلى دولة ثنائية القومية تتعارض مع فكرة الدولة اليهودية الخالصة، ويقيناً أن هناك تفكيراً في مثل هذه الخطوة إذ أقدم الإسرائيليون على هذه الخطوة التي تصفها بعض الأوساط الإسرائيلية بأنها ستكون إنتحارية بالفعل.

وعلى نتنياهو ومعه غلاة التطرف الصهيوني أنْ يدرك وأن يأخذ بعين الإعتبار: "إنّ زمن أول قد حوّل" وأن ما تبقى من الفلسطينيين في وطنهم، وعددهم يقترب من عدد الإسرائيليين لا بل ويتجاوزه إذا ما إنضم أهل قطاع غزة إلى أشقائهم في الضفة الغربية وفي فلسطين المحتلة منذ عام 1948 ، لن يغادروه وإن مؤامرة ما بعد النكبة الأولى والنكبة الثانية لن تتم.. إطلاقاً، وهذا كان قد أدركه إسحق رابين ومعه آخرون فكانت إتفاقيات أوسلو .. وكان أن تم إغتياله في الرابع من نوفمبر عام 1993.

وعليه وفي النهاية فإنني أعتقد أن دنيس روس أحرص بألف مرة على إسرائيل من هذا الأرعن الذي إسمه "بنيامين نتنياهو"، الذي يحاول الهروب من موبقاته وإختلاساته بالمزيد من التطرف والمزيد من "ضم" ما تبقى من الأراضي الفلسطينية، والمفترض أنه مع طول الوقت وإستمرار "الإحتلالين" إحتلال عام 1948 وعام 1967 بات يعرف الشعب الفلسطيني معرفة أكيدة ويعرف أنّ هذا الشعب العظيم حقاًّ وفعلاً لم تعد تنطلي عليه الألاعيب المؤامراتية وأنه متمسك بباقي ما تبقى من وطنه، وأنه ولا واحد منه لديه الإستعداد للهجرة والمغادرة، وأنه بات يقتدي بتجربة أشقائه في عام 1948 وأن دينس روس قد أثبت أنه يدرك حقائق الأمور عندما قال أنه من المستحيل فصل الإسرائيليين عن الفلسطينيين، وعندما قال غيره من العقلاء أن الفصل مستحيل إذا لم تكن هناك دولة فلسطينية مستقلة على ما أحتل من أرض ووطن هذا الشعب في عام 1967 ومن ضمنها القدس الشرقية.