ليس بخاف على أحد أن بداية فك ارتباط الأسد مخلوف يأتي تحصيل حاصل و نتيجة طبيعية للأوضاع الاقتصادية المتردية في البلاد و ثقل الضغوط من جراء الالتزامات المالية الهائلة على النظام الذي خاض حرب بقاء أو فناء والذي لم يكتف بوضع كل ما امتلكته الدولة السورية منذ يوم استقلالها و تأسيسها في خدمة حربه، بل وضع أيضاً قيد الرهن على الأقل خمسة و عشرون عاماً من مستقبل الناتج الوطني لهذا البلد المنكوب من مصادر ثرواته من النفط و الطاقة و من موارد زراعية و ثروة حيوانية و كل ماهو قابل للبيع أو الاستثمار من أجل إيفاء مستحقات حلفاءه و بالتحديد كل من روسيا و ايران!

النظام بقي في الحكم حتى هذا اليوم و استرد بمساعدة الدولتين المذكورتين مناطقاً كثيرة من أيدي مختلف الفصائل المسلحة لكنه لايسيطر على حقول النفط كلها و التي في أغلبها تحت سيطرة القوات الكردية، و لا على مساحات واسعة من الجغرافية السورية و التي تحتلها تركيا و فصائل مرتزقة تابعة لها، هذا بالاضافة إلى أن سورية الدولة التي راهن النظام عليها لم تعد موجودة و حلم الأسد بأن كل شييء سيعود إلى سابق عهده أي ما قبل الثورة تماماً كما جرى مع أحداث حماة في عهد أبيه في بداية الثمانينات بات ضرباً من الخيال. سورية أصبحت شئنا أم أبينا مسرحاً لمختلف القوى الدولية و الاقليمية، و من خلال ما هو متاح اليوم من الإيرادات في ظل العقوبات الدولية المفروضة على النظام و أعوانه و بالمقابل ما هو مطلوب لسد تكاليف هدم جيشه للبلد فقط لم يعد هناك متسعاً للشراكة مع مخلوف، فما بالك بتكاليف إعادة البناء؟!

شراكة النظام و مخلوف كانت شراكة حقيقية لا تتوقف عند أسهم سيرياتيل فقط بل كان زواج متعة طويل الأمد بين الطرفين، المال و السلطة تماماً كما أكدّ عليها مخلوف في تسجيله الثالث فهما كانا يكملان بعضهما البعض، يعني ادارة الشركات و توظيف الأموال في مختلف المجالات الاقتصادية محاصصة من قبل مخلوف مقابل اطلاق يديه و احتكاره للسوق السورية بمختلف قطاعاته السياحية و الخدمية و الاتصالات و النقل و النفط و العقارات و إلخ .

مخلوف كان يدفع التزاماته من أرباح و استحقاقات ضريبية لخزينة النظام و ليس لخزينة الدولة التي يمكن أن يستفيد منها عامة الشعب بل للنظام ليتمكن من تمويل مقاتليه طوال فترة الحرب لكن الآن لم تعد تلك العائدات تفي بالغرض مقابل ما تراكم عليه من استحقاقات مالية و ديون لروسية و إيران. و الأسد خير من يعرف بأن كل ثروة مخلوف ماكانت لتكون لولا ارتباطه بحكم العائلة و الاعتماد على سوء استخدام السلطة و النفوذ المستمد من هذا الحكم.

من المؤكد أيضاً أن النزاع سوف ينتهي على صورة مشابهة لما آل اليه خلاف الأسد الأب مع شقيقه رفعت في منتصف الثمانينات و ذلك برحيل رامي مخلوف إلى خارج البلاد لإدارة أعمال تجارية من ثروته الطائلة و التي جناها من بؤس السوريين و قد يستمر بدفع رواتب لموالين له في الداخل فترة من الزمن تماماً مثلما فعل رفعت لكنه في نهاية الأمر سوف يتفرغ لمصالحه المادية البحتة، و كما يقول السوريون يصير: (إلي ضرب ضرب و الي هرب هرب).

ما هو محزن في الأمر أن معظم السوريين غير مبالين بما يحدث و كأن الأمر يعني مواطنين من كوكب آخر . متذرعين بالحديث عن نفاق الدول الكبرى و الاقليمية تجاه مأساتهم و تشردهم في جميع أصقاع العالم، يغذي هذا الشعور أيضاً الغياب التام لمعارضة وطنية سياسية كانت أو عسكرية تخدم أجندة وطنية سورية فقط.

لكن مرة أخرى من أين يمكن تأتي معارضة نزيهة لتضع نهاية لهذا السيرك الدموي المبكي؟ إن لم تكن من بين أبناء البلد أنفسهم ؟! لكن ذلك لن يحصل قبل أن يحس السوريون بأنهم فعلاً أبناء بلد واحد أو بلد موحدّ.

مؤسف أن نرى بعض المثقفين يعولون على خلافات الأسد مع ابن خاله لعل و عسى! و كأنهم لسان حال رامي "كرمال عيون هل الفقرا" بلكي يسقط النظام!

المشكلة لاتكمن في هذا الخلاف و لا في أسباب نشوبه فهذا الصراع بديهي أن يحدث و ربما يأتي سيناريو مشابه على ماهر الأسد و لو بعد حين. لكن أن يتهاوى الاقتصاد السوري إلى أسفل السافلين منذراً بمجاعة أكيدة نتيجة خلاف عائلتين فهذا يعني أن المشكلة تكمن في أننا نحن الثلاثة و عشرون مليون سوري لسنا سوى "إخررطي"! على قولة عمي المرحوم عبد القاسم أبو غليون!

كاتب و مترجم سوري
ستوكهولم
[email protected]