استطاعت جائحة كورونا أن تقلب أحوال العالم رأساً على عقب؛ حيث شلت اقتصادات العالم وحركة تنقل البشر وجمّدت ممارسة شعائر العبادات وعطّلت العلاقات الاجتماعية، وألغت التواصل الاجتماعي بين الناس؛ فها نحن وبعد انقضاء الشهر الفضيل لم نتمكن من ممارسة طقوسه سواء أكانت تعبدية: كصلاة العيد، أو اجتماعية كالتزاور بين الناس وصلة الأرحام وفرحة الأطفال بألعابهم وعدياتهم ...الخ.

نعم لقد اجتاحت الجائحة حياتنا وجمّدتها فأصبحت بلا طعم أو نكهة، لأنه كما قيل في المثل الشعبي "الجنة بلا ناس ما بتنداس"، فقد حل عيد الفطر ولكنه مع وقف التنفيذ؛ فمن مظاهر العيد التزاور وإظهار الفرح والسعادة بعد تأدية العبادة، ولكن للأسف أجبرنا كورونا على الجلوس في بيوتنا والاكتفاء بالتواصل عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وهو بذلك يكون قد فرض علينا حجراً صحياً إجبارياً سلبنا فيه من متعة الفرح كما اعتدنا سابقاً.

لا شك أنها كانت أزمة قاسية أثرت فينا عميقاً؛ فارتفعت نسبة الاكتئاب بين الناس وحالات العنف الأسري، وتوقف التعليم في كثير من الدول، وعلا الحزنُ الوجوه. فقد الكثيرون أعمالهم وخسروا وظائفهم وتعطلت أعمالهم. ومع ذلك يبدو لي أن قدر الإنسان أن يعيش في كَبَدٍ ومعاناة؛ فمن جوائح الأوبئة والأمراض المعدية، وكوارث الطبيعة الى الحروب والصراعات التي فتكت به دون رحمة أو شفقة، مما أدى إلى ظهور أفكار ومذاهب فلسفية وفكرية تشاؤمية - قديما وحديثا - رأت أن وجودنا برمته عبثاً لا معنى له!

ولكنني ورغم تلك المآسي التي غلفت تاريخ البشرية، إلا أنني متفائل بقدرة الإنسانية عل الخروج من تلك الجوائح أقوى من ذي قبل؛ فلولا هذه التحديات لما استطاع الإنسان أن يكتشف ويخترع في كافة مجالات الحياة، وكما قيل "الحاجة أمُّ الاختراع".

ومع كل ذلك الحزن والألم والمعاناة البادي على وجوه الناس بسبب عدم تمكنهم من ممارسة حياتهم الطبيعية، إلا أن القادم أجمل وأفضل بإذن الله؛ فما هي إلا أشهر معدودة ويتوصل العلماء إلى لقاح وعلاج لهذا الفايروس، ونعود لحياتنا كما كانت، ولكن بشكل أقوى وأكثر تجربة وتمرساً على مواجهة مثل تلك الكوارث، فتاريخ مسيرة التطور البشري ما هي إلا اشتباك وتفاعل مع الطبيعة والكون أوصل الإنسان إلى تشييد الحضارات .
وتأسيساً على ذلك كله، أقول إن التغيير سنة الله في كونه؛ فبعد الفايروس لن يكون كما كان قبله، ورب ضارة نافعة؛ فرغم أن كورونا كان قد حصد أرواح مئات الآلاف من البشر وسرق منهم متعة الفرح والبهجة بأعيادهم، الا أن في باطنه إيجابيات ستنكشف لاحقاً، وكما قال هيجل بحق: "التناقض هو المحرك الأساسي للتاريخ والفكر"، بمعنى أن الفكرة تولد ويولد معها نقيضها جنيناً في بطنها يكبر ويصارعها حتى تتكون من الأثنين فكرة جديدة تزيح القديمة وهكذا يتقدم العالم ويتطور.
فكل عام وأنتم والبشرية جمعاء بخير وسعادة وأمن.