الكتابة عن السياسي والكاتب العراقي الذي رحل في العشرين من شهر كانون الثاني 2020 تقود مباشرة الى قصة انشقاقه عن الحزب الشيوعي العراقي منتصف القرن الماضي وتزعمه الكفاح المسلح ضد نظام البعث الصاعد حديثاً للسلطة والذي كان يخوض مفاوضات مع الحزب الشيوعي العراقي لفتح صفحة عمل سياسي مشترك. لذا ظلت الكتابة عن عزيز الحاج تنطوي على مغامرة في العراق، فهو مغضوب عليه من الحزب الشيوعي العراقي الذي ربما لم يعمل على تسقيط شخص كما فعل مع عزيز الحاج.

على الرغم من أن لدى عزيز الحاج أكثر من ثلاثين كتاباً يغلب على أكثرها الأدب، فما لا يعرفه كثير من القراء عنه أنه بدأ شاعراً وله قصائد كتب بعضها خلال تنقله في السجون العراقية، لكن يبقى المفترق الكبير الذي أطر حياته كان في انشقاقه عن الحزب الشيوعي العراقي متخذاً من الكفاح المسلح وسيلة ونهجاً لمعارضة نظام البعث الذي كان يعقد اتفاقاً مع الحزب الشيوعي العراقي الذي جاء انشقاق عزيز الحاج وعدد من قيادات وكوادر الحزب ضربة موجعة جداً للحزبين الشيوعي والبعث الحاكم اللذين لم يتفقا على شيء كاتفاقهما على وضع حد لانشقاق الحاج وحزبه القيادة المركزية الذي اتخذت من أهوار جنوب العراق منطلقاً لعملياته.

وبقدر السرعة التي اشتهر بها الحاج ورفاقه في معارضة النظام والحزب الشيوعي كان إلقاء القبض عليه سريعاً وتولى صدام حسين بنفسه التحقيق وعقد اتفاق معه كان اشترط خلاله عزيز الخاح أن لا يمس بأذي مقابل انهاء الكفاح المسلح وتسليم قادة حزبه ثم الافراج عنهم والسماح لهم بمغادرة العراق وهو ما حصل حيث انتقل الحاج الى باريس ممثلاً العراق في منظمة اليونسكو.

وقد شاهد العراقيون الحاج عام 1969 في التلفزيون العراقي منكسراً مقراً، فكانت فرصة لانتقام حزب البعث الواثب للسلطة حديثاً والحزب الشيوعي العراقي الذي انشق عنه الحاج، كانت فرصة لهما للانتقام ومنه وتسقيطه خاصة من قبل الحزب الشيوعي العراقي.
كانت الطريقة التي ظهر بها عزيز الحاج وقتئذ تنطوي على إدانة له. لكن لم يعلم كثيرون وقتها عن كواليس وأسباب ذلك الظهور المذل لقائد الكفاح المسلح الماركسي زعيم الحزب الشيوعي العراقي- القيادة المركزية.

يروي الحاج في حوار موسع ونادر مع كتاب وقراء إيلاف حول تلك القصة إذ يقول: "وقعت في أخطاء سياسية جسيمة لحد وصف ندوتي لأبريل 1969 بالسقطة السياسية في كتابي الأخير "شهادة للتاريخ". وللعلم فإن الندوة كانت صدمة لقواعد حزب القيادة بين متألم لحد البكاء وبين مندد لحد الإدانة. وقد شرحت في كتابي المذكور ملابسات الندوة وظروفها وحيث لم أوافق عليها إلا بعد شهر من إلحاح البعث، علي. وكان من العوامل الرئيسة لقبولي سيف الاتهام للعمالة للمخابرات الأمريكية استنادا لتقرير ملفق كتبه مع الأسف زميل قيادي معنا، وكنت أعرف أنني لن أطيق تعذيبا يجبرني على الإقرار بالتهمة مثلما أجبرت محاكم ستالين عام 1937 قادة شيوعيين كبارا ولامعين للقول بأنهم كانوا مخربين وعملاء للغرب. ولم يعد لهم الاعتبار إلا زمن خروشوف عام 1956. وفي الحقيقة كانت مخابرات البعث قادرة على ترويج التهمة وقادرة على إجباري على الاعتراف بها. ومهما يكن فهذا ليس تبريرا ولكن من بين ظروف الندوة. ولكن التباسات عن عمد أو لا نسجت حول الندوة كالترويج لكونها أدت للاعتقالات مع أنني اعتقلت في آخر القائمة تقريبا وكانت كل المعلومات متوفرة لدى المخابرات عند اعتقالي، فضلا عن أنني كنت قد سلمت التنظيم وقررنا تبديل البيوت وتقرر تدبير نقلي سرا لكردستان لأقود من هناك. وظللت شهرا دون تنفيذ القرار. وما حدث فعلا هو أن الندوة التي أساءت لي كانت من نتائجها إطلاق سراح الجميع على دفعات وهو ما وعدني به صدام وشرعوا فعلا بالتنفيذ وكنت في الدفعات الأخيرة [ في آب من العام]. وبقي بعد الجميع أربعة مناضلين على أساس إطلاق سراحهم ولكن البعث غدر بهم بعدنا ونكث بالوعد عن عدم استثناء أحد. وهذا مفصل في كتابي لمن أراد المزيد ولا أعتقد أن المكان يسمح هنا لندوة أساءت سمعتي وجعلتني موضع حكايات وإشاعات مجانية ولا سيما ممن كانوا خصوما ألداء حيث خدمتهم الندوة سياسيا مثلما خدمت البعث. وقرأت ضدي بتهمة الانشقاق أكثر من هذا في صحافة البعث خلال اعتقالي وحتى بعد الندوة. فقد نشرت جريدة الثورة في حزيران 6 سلسلة مقالات ضدي كان عنوان أحدها "سيكولوجية الانشقاق والمنشقين، تتهجم على حركة القيادة المركزية وتتهمني ورفاقي ب "الغريزيين وينطلقون من خلفية أنانية غريزية..".

وكانت المقالات أسلوبا آخر في المناورات مع الجناح الشيوعي الآخر.

وكان الحاج قاد في سبتمبر 67 وبعد خلافات داخلية حادة "حركة تطهير"، ومعه تنظيمات بغداد الشيوعية، كما ذكر لإيلاف "ودعونا اسم حزبنا بالحزب الشيوعي ـ القيادة المركزية. بعد شهور قلائل من تسلم البعث للسلطة مرة أخرى، وبعد انقطاع مفاوضاتنا مع أحمد حسن البكر، جرت حملة قمعية وحشية ضارية جدا واعتقل العشرات من الكوادر الرئيسية للحزب ومعظم أعضاء القيادة في بغداد. وتقرر في بداية 1969 في اجتماع القيادة تسفيري لكردستان ليكون مقري هناك، ولكن التنفيذ لم يتم لأسباب مجهولة لي حتى اليوم".

غاردرنا عزيز الحاج قبل خمسة أشهر عن 94 عاماً تاركاً إرثاً من كتب ومقالات وتاريخ سياسي مثير للجدل حتى اليوم. وقد كان عزيز الحاج من محبي الحيوانات ويستشهد بأدباء كبار يشاطرونه حبه للقطط والكلاب التي يرى فيها الوداعة والسلام والمفقودين لدى البشر. وله قصص وكتابات عنها خاصة عن قطه الشهير ريمي. كان يقتطع من قوت يومه بل يستدين من أصدقائه من أجل القط ريمي. وفي أحدى مقابر باريس قبر بشاهدة لقطه ريمي.