من سنن الزمن أن تحدث الكثير من التغييرات في نمط الحياة التي نعيشها يتناسب مع التطور الحاصل، فكل مرحلة من المراحل لها خصوصيتها وأدواتها، فكانت الخطابة في مرحلة مضت لها دورها وتأثيرها، وكان للشعر مكانته، يستخدم كلغة لإيصال الكثير من الرسائل المختلفة والمتنوعة حسب الموضوع والهدف والجمهور المستهدف، ثم الجريدة فالإذاعة والتلفزيون ثم المواقع الإلكترونية إلى أن وصلنا إلى مرحلة الفضاء الافتراضي باعتباره منصة اجتماعية لتبادل الآراء والخبرات والتعبير عن المواقف وتقديم المعلومات ونقل الأخبار وغيرها.

فالعالم يتجه نحو سرعة الحركة التي تتطلب وسائل جديدة تتماشى وتتأقلم مع هذه المرحلة، الأمر الذي جعل الدول والمؤسسات والأفراد تمضي قدما لاستخدام مواقع التواصل الاجتماعي للوصول إلى الناس في أسرع مدة وحيثما كانوا متواجدين في العالم.

*تويتر والبدايات*

في شهر يوليو من عام 2006 أطلق جاك دورسي موقع تويتر، الموقع الذي تجاوز عدد مستخدميه خلال ستة سنوات فقط من إطلاقه 100 مليون وبما يعادل 340 مليون تغريدة يوميا، الموقع الذي يشهد إقبالا عالميا كبيرا أصبح يتصدر المشهد خصوصا بسبب كلماته المختصرة التي تفي بالغرض"ما قل ودل"، كما أن الانتخابات الرئاسية الأمريكية ساهمت كثيرا في وضعه بالصدارة، فالموقع يتناسب مع سرعة التطورات ونقل الأخبار العاجلة بسهولة كاملة.

الموقع الاجتماعي الأكبر ارتيادا في العالم، بدأ من فكرة طرحها جاك دورسي الذي كان طالبا في جامعة نيويورك ومناقشتها مع شركائه؛ نواه غلاس، بيز ستون و إيفان ويليامز الذين أسسوا معه أحد أهم المواقع الاجتماعية في العالم الذي يرتاده أهم الشخصيات، دورسي اقترح فكرة استخدام خدمة الرسائل القصيرة للتواصل مع مجموعة صغيرة في أماكن مختلفة من أنحاء العالم وفعلا رحب شركاؤه بذلك، وبدأ العمل والنجاح فيما بعد.

ويقول الشركاء المؤسسون لتويتر أن اختيار استخدام كلمة تويتر، كان بعناية فهو يجمع بين كتابة رسالة نصيّة قصيرة وبين التغريد كالطيور.

*تويتر..الموقع الحاكم بإطلاق*

لاريب أن هناك منافسة كبيرة وشرسة في مجال تأسيس المواقع الاجتماعية لاستقطاب أكبر عدد من المتابعين والمستخدمين، وماكان موقعا مهما في فترة معينة يتراجع بمجرد ظهور موقع جديد منافس يمتلك خدمات جديدة تجذب المهتمين بهذا العالم.

يعد حدث ساوث باي ساوث واست لعام 2007 بداية شهرة تويتر، ارتفعت على إثره عدد التغريدات على الموقع من 20.000 إلى 60.000 تغريدة يومية.
وهنا يكمن الذكاء الحقيقي، باستخدام مختلف الأحداث واستثمارها للترويج للموقع، فخلال الحدث تمّ عرض بعض التغريدات على شاشات بلازمة عملاقة ما شد انتباه الكثير من رواد المؤتمر الذين سارعوا لخوض التجربة ومحاولة التغريد عليه، حينها قال المدوّن سكوت بيل عن تويتر: «سيكون الموقع الحاكم على الإطلاق»، حيث وضع تويتر بداية نشاطه على السكة الصحيحة، ما جعل الباحثة في المواقع الاجتماعية دانا بويد تصرح بالقول: "تويتر سيطر على المؤتمر بامتياز".

لم تتوقف شهرة الموقع عند حدث معين بل استمر في النجاح وكسب ثقة مستخدميه، و تواصلت شهرته عقب نشر رائد الفضاء تيموثي كريمر العامل في ناسا أول تغريدة من خارج الأرض وبالتحديد من محطة الفضاء الدولية في 22 يناير 2010.


*تغريدة واحدة أكثر تأثيرا من ألف مقال*

كما قلت في المقدمة أننا في زمن المعلومة السريعة التي تحتاج إلى موقع سريع يدرك تمام كيف يتعامل معها، فأصبح تويتر مصدرا للمعلومات، ومنصة رسمية للدول والحكومات والمنظمات لإصدار قراراتها وتعليماتها، بل إن الرئيس دونالد ترامب أول رئيس يعين ويقيل عبر تويتر، وهنا نتذكر جيدا تغريدته الشهيرة التي أقال فيها مستشار الأمن القومي الأميركي، جون بولتون.

كما خطت بعض الشخصيات الرسمية نفس الخطوات، وبدأ البعض منها يقدم استقالته من منصبه عبر الموقع ذاته، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على توثيق هذا الموقع وأهميته كمصدر موثوق لاتخاذ قرارات مهمة ومصيرية.
إن هذا يعني أهمية موقع تويتر الذي أصبح أكبر متابعة، وقراءة، حتى أن هناك الملايين من رواد الموقع يتصفحونه يوميا لمعرفة آخر الأخبار، والملاحظ أكثر أن تغريدة واحدة من شخصيات مهمة لها تأثيرها الخاص على الناس أكبر بكثير من مقال في صحف مشهورة، وهذا لا يعني أن التغريدة أهم من المقال، إنما المقصود هنا درجة تأثير التغريدة على رواد تويتر الذين تجدهم يعيدون تغريد "تغريدة لشخصية مشهورة" بالملايين، في حين تجد فقط فئة خاصة تهتم بالمقالات.
لا تتوقف الأمور عند هذا الحد بل إن بعض المغردين أصبحوا من المؤثرين، لديهم عدد هائل من المتابعين ما يجعلهم أكثر تأثيرا حتى من أكبر مؤسسة إعلامية تمتلك أكبر وأضخم تمويل.
ونحن في زمن الأرقام التي تؤكد أن ‏بعض التغريدات اليوم تحصل على آلاف القراءات و المتابعات، بينما نجد مقالات في صحف ورقية كبيرة، لا يتجاوز عدد قرائها 100 قراءة، وهذا نتيجة تأثير التطور الحاصل على مواقع التواصل الإجتماعي التي فرضت وجودها وهيمنتها على توجه الكثيرين، وهكذا أنهى زمن التغريد زمن إعلام الورق.

*كاتبة وإعلامية جزائرية