لا أحد يعرف على وجه اليقين متى بدأت "جائحة كورونا" واجتاحت هذا العالم كله وحصدت كل هذه الأرواح التي حصدتها وكيف يمكن التغلب عليها ومتى ستنتهي، والمعروف أنّ كل ما يقال في هذا المجال هو مجرد إجتهادات تختلف من بلد إلى بلد آخر، وبحيث أن هناك من يذهب بعيداً إلى أن هذه مأساة يجب أن يتعايش معها العالم وبأسره وإلى الأبد، ونسأل العلي القدير أنْ يرأف بعباده الصالحين وفي مقدمتهم الأطفال الذين لا ذنب لهم إرتكبوه في هذا المجال!

وربما أنّ العالم المنشغل بهذه "الجائحة" لا يعرف أنّ هناك "جائحة" ولكن أمنية وسياسية وعسكرية قد توغّلت في بعض دول الوطن العربي وهي "الجائحة" الإيرانية التي من المفترض أنه معروف، إلا لمن لا يريد أنْ يعرف، أنّ خطرها ربما أخطر من هذا الـ "فيروس" القاتل إذا أخذنا بعين الإعتبار أنها إخترقت بعض الدول والمجتمعات العربية وأنها مزّقت كياناتها ووحدتها الوطنية.

إنه غير مقصود بذلك المذهب الشيعي الذي هو بالأساس مذهبٌ عربيٌ لا علاقة له بالسياسة وبالصراع الطائفي وإلى أنْ جاء "الصفويّون" بزعامة المؤسس إسماعيل الصفوي في عام 1487 وأسس دولة بهذا الإسم بدءاً بـ "أذربيجان" ما لبثت بعد هزيمة العثمانيّين أنْ امتدّت إلى إيران كلها وبعدها إلى العراق وجنوب شرق الأناضول، والمعروف أنّ كل هذه البلدان وغيرها كانت "مسلمة" بلا أي مذهب وأنه لم يكن هناك إلا "سنّة" رسول الله، وأنَّ الإيرانيين كانوا على هذا المذهب الشامل في بلاد المسلمين بأسرها، ومع التأكيد على أنّ "التشيّع" قبل "الصفويّين" نسبة إلى صفي الدين أردبيلي كان مجرد تعلّق بآل بيت رسول الله وفي مقدمتهم علي بن أبي طالب رضي الله عنه و"عترته" من بعده.

والمهم أنّ إسماعيل الصفوي قد مات بداء السل عن سبعة وثلاثين عاماً، وأنّ إيران بغالبيتها قد تحوّلت إلى المذهب الصفوي منذ ذلك الحين وحتى الآن، وأنّ الأخطر هو أنّ العلاقة مع باقي المسلمين كدول قد تحوّلت إلى صراع بين إيران والآخرين وإنّ الأمور بقيت تسير في هذا الإتجاه مع إستثناء أنه كان هناك تآخياًّ ودياً بالفعل بين السنة والشيعة إنْ في العراق وإنْ في لبنان.. وإنْ في بعض الدول العربية والإسلامية الأخرى.. ولأنه تم إبعاد الدين عن السياسة.

وحتى بعد الثورة "الخمينيّة" في عام 1979 التي بصورة عامة قد إستقبلها المسلمون كلهم بالإرتياح وعلى أساس أنّ الشاه محمد رضا بهلوي، الذي إستمر حكمه منذ عام 1919 وحتى عام 1979 قد إتبع سياسة عدائية تجاه العرب (كدول)، وحقيقة أنّ هذا التوجه كان منْ الممكن أنْ يستمر لو لم يتم "تسييس" المذهب الشيعي ولو لم تستخدمه إيران للتدخل في شؤون العديد من الدول العربية.

وإنّ المعروف أنّ التدخل الإيراني العسكري والسياسي بـ "عباءة" طائفية بدءاً بعام 2003 أي بعد الإطاحة بنظام صدام حسين قد أسّس لهذا الواقع الحالي، وأنّ إيران بعد ذلك باتت تتدخل تدخلاً سافراً، عسكرياً وسياسياًّ وإحتلالياً، في شؤون خمس دول عربية هي: "العراق وسوريا ولبنان واليمن" وأيضاً قطر، وأنها في فترة لاحقة باتت تمدّ يدها في أفريقيا العربية.. وهذا هو المقصود بـ "الجائحة" الإيرانية التي بات ينشغل بها بعض العرب على إعتبار أنّ الأولوية لمواجهتها، وأنّ بعض القضايا الأخرى على أهميتها قد أصبحت مؤقتاً ثانوية!