كالح: انا آخر محطة في مسافة الليل الطويلة.. قبل ان ينبلج الفجر بعد ظلمتي مبشراً ببزوغ الشمس.
المسافة بين أول محطة وآخر محطة في مشوار ليلي : زمن من موت، الدقيقة فيه دهر.
فمن أنت يافالح ؟!
فالح: أنا النهار الذي تستلقي على صدره أشعة الشمس لتروي معاناة العتمة.
المسافة بين طلة فجري وبزوغ شمسي: سنوات ضوئية من الإنتظار الحزين.
كالح: أما أنا فقد أدمنت السواد عقوداً طويلة.. ودعوت الظلام ( إلهي) أن لاينجب فجرا،ولم أدرك أن لكل ليل فجر تتبعه شمس يعانقها النهار.
وماكنت أظن أنك يا فالح.. النهار الذي ستنقرض في بياضه ظلمتي .
فالح: عشت ياكالح مافيه الكفاية، وبسببك غابت الأنوار وسط سرادب كلحة ظلمتك وتصحرت العقول حتى أصابها جفاف الفكر.
بسببك: جفت ينابيع الوجد واستشهدت في جدبه سيول العاطفة.
وكلما أوغل الصمت في بوحه تفتقت في نظرات العيون ملامح الوجع وبكت بين الصدور آهات يطويها الخرس.
كفاك يا كالح من أوجاعنا أننا كنا الضيوف وأنت رب الألم.
كالح: لولاي مادامت ظلمتي تظللكم من شدة قسوة النهار، لأنكم لستم أهلاً كي تستمطروا الضوء أو تبحروا في أعماق البحر. ولا جلود أجسامكم بقادرة أن ترتخي تحت الأشعة على الشواطيء الذهبية.
البحر: يرفض ان يستقبل اشرعتكم المكسورة كيلا تغرقوا فيه.
والفضاء: يغلق أجواءه أمام تحليق أجسادكم التي تريد أن تطير بلا أجنحة.
فاحمدوا الله أن ليلي كان المكان الذي ضم رفات أنينكم.. ورأف بضعفكم، ورضي أن تسكنوه بلا أشرعة أو أجنحة .
فالح: لا نجحد فضل كلحتك علينا يا كالح حين احتويت جهلنا وأدمت عيشه معززاً مكرما. وكلما استيقظ في صمتنا صوت سيمفوني عذب تجود علينا بموعظة كي يسكت الطرب.
وكلما لاح في كبد سمائنا بارق يشع نوره ويخيفنا، تسارع لتطفئه.
لانجحد أنك أرضعتنا من ثدي ليلك ظلاماً لذة للتائهين.
فلك الشكر حين احتويتنا ولك الشكر حين ارضعتنا ولك الشكر لو تطلق ارواحنا لتذهب حيث تشاء.
كالح: إذهبوا أينما شئتم وحيثما تشاؤون... مني.. إلي.
ولكن لا تذهبوا اليكم.
فالح: بل سنذهب منا إلينا
لنخرج منك.
ارحل انت.. الى حيث تريد،
منك.. اليك إلا.. إلينا، بعد أن مللنا منك.
نحن النهار .. أيها الكالح ظلمته،
قلوبنا عطشى لمعانقة الحياة،
ومن صدورنا .. تنبعث آهاتنا كالعصافير،
لتغرد على مسارح أغصانها
وتكتب بحروف الأشعة
قصيدة الوعي الجديد
خارج الأسوار المسيجة بالوهم.
سالم اليامي [email protected]