توقعت ممثلة الامم المتحدة في العراق ( جينين بلاسخارت ) أن تتضاعف معدلات الفقر في العراق إلى اربعين في المائة مقارنة بعشرين بالمائة كانت مسجلة في السنوات الاخيرة..

وهذا يعني أنه مع استمرار جائحة كورونا قد تنتظر العراق ( سنين صعبة )، إن لم يتحسن سعر النفط ، لانه جعل حياته رهنا به بهذه السلعة. التي تتحكم بها عوامل عديدة وارادات خارجية في مقدمتها قانون السوق في العرض والطلب.

أزمات كثيرة تواجه الحكومة الجديدة، في مقدمتها هذا الإنخفاض في سعر النفط ( فهل سيكون ضرره أكبر من الاضرار التي لحقت به من داعش وكورونا ) على حد ما يرى الكاتب باتريك كوكبيرن في مقال في صحيفة اندبندنت البريطانية تحدث فيه عما اسماه ( حظ العراقيين السيء ) بسبب الازمات التي تلاحقهم وأخرها الانخفاض الحاد في أسعار النفط...

اذا كان هذا الانخفاض يعني الكثير للمواطن العراقي في حياته المعيشية، لكنه في الوقت نفسه لم يدهشه كثيرا، مثلما لم يفرحه إرتفاعه، فهو لم يجن منه غير الدم والالم والندم، والفساد والنهب والخراب والتراجع والدمار والموت والحروب والضياع.. كان يراه عاملا رئيسيا في انتهاك سيادة بلده وتدميره بعد أن كان يحسب له حسابا..

ويرى أيضا.. ( أن النفط وليس غيره جعلهم ينظرون الينا نظرة أخرى ) ، وكأن أرضنا ( بقرة حلوب، يستكثرون عليها حتى علفها ) أو نحن قاصرون لا نحسن التصرف بها ، أو لا نستحقها ، ويجب أن تنهب بمختلف الوسائل، حتى وان كانت عن طريق ابنائها بالفساد، وسوء الادارة والارادة بمن يولى عليها..

مفارقة غريبة أن يكون النفط مصدر قوة لهم، وضعف لنا.. كان ولا يزال وسيستمرالى ما شاء الله يدير عجلة التقدم والبناء والنهوض والقوة في ديارهم، ويصنعون به سلاحهم ، ويكون سببا لضعفنا وقتلنا.. هم يتقدمون، ونحن نتأخر..

سعر النفط لا يعني شيئا - إرتفع أو إنخفض - لمن تتراوح حالته على خط الفقر صعودا ونزولا أيضا، لكنه يعني الكثير لمن كان لهذه النعمة أثر واضح عليه ولها معالم على أرضه، في تطوره المستمر وتقدمه العلمي والصناعي والزراعي والعمراني والخدمي، ورعاية الانسان وبنائه بمواصفات زمانه.. ويراعي فيها الحقوق.. حق الله والوطن والمواطن..

النفط سلاح ذو حدين... يمكن أن يؤدي الى الكسل والاتكالية والفساد أو الى التقدم..

إن الاعتماد على مصدر واحد ( ريعي ) يجعل البلاد رهينة لتقلبات الاسعار وتعرضها الى أمراض إقتصادية وإجتماعية خطيرة، منها الركود وضعف النمو الاقتصادي وانخفاض نسبة الانتاج بمختلف مرافقه بما في ذلك أداء المؤسسات، فيكون نقمة عليها بدلا من أن يكون نعمة، كما هو عند أخرين عندما يحسنون إستخدامه فيكون مصدر قوة كما رأينا عام 1973، فقد كان عنوانا مهما في التضامن، وفي بناء تنمية بشرية وإقتصادية وإجتماعية وعلمية حقيقية وفي تراكم الموارد والخبرات وضمان حق الاجيال القادمة في هذه الثروة، لأنها ملك الجميع، وليس من حق جيل واحد أن يستأثر بها، ولم يترك شيئا على الارض يساوي حصتها الحقيقية، وفائدتها التراكمية .. يترك معالم ( بناء ونهضة وعلم وموقع لائق ومناسب في العالم )، إن لم يفعل ذلك يكون قد ( صادر حق جيل أخر ) بدعوى إن حصته مضمونة في باطن الارض، وفي الاحتياطي الكبير، لكنه مع مرور الزمن وتوسع الاكتشافات النفطية في مناطق كثيرة في العالم ، قد لا يكون نفطه في حينه بتلك القيمة والدور..

وإستمرار اللعبة السياسية العالمية الجديدة في أسعار النفط تخرج هذه القوة من يد مالكها، إن لم يكن ( المنتج ) مؤثرا ولاعبا أساسيا ويتحكم فيها، ومن لم يستثمره الاستثمار الامثل في بناء تنمية ومرتكزات اقتصادية وبشرية مهمة قد لا يمكنه في يوم ما حتى أن ( يملأ بطنه ) منه، اذا استمر سعره في الانخفاض بهذا المستوى الكبير، إن لم يفكر بجدية وخوف حقيقي من الأن على مستقبله والاجيال القادمة...

انخفاض اسعار النفط فرصة لتفكير ببناء تنمية حقيقية في مختلف القطاعات الانتاجية والخدمية تستجيب لحاجة الوطن والمواطن المتطوره مع الزمن..

فالمواطن يريد أن يكون هناك أثر واضح للنفط في البيت والشارع والمدرسة والصحة والخدمات والمعمل والعمل والمزرعة، وينعكس بوضوح على زيادة و تنوع الموارد الاقتصادية بمختلف المجالات.. وبخلافه يكون لعنة...

ومع ذلك.. لا يزال في الوقت متسع..

ولا يزال النفط يشكل عصب الحياة والطاقة والتطور.. وهنك فرص كثيرة إذا ما توفرت ادارة تمتاز بكفاءة اليد والضمير والاداء وتحسن استخدام هذه النعمة في مجالاتها التنموية والانسانية..

* كاتب صحفي واعلامي عراقي ودبلوماسي سابق