تحدث المفكر المصري يوسف زيدان قبل سنوات عن المسجد الأقصى الوارد في سورة الإسراء، و ذكر انه ليس في فلسطين بل في الحجاز على الطريق بين مكة و الطائف في العدوة القصوى الوادي المعروف.

و قد استند يوسف زيدان في طرحه على وثائق تاريخية تؤكد أن مسجدا في منطقة ( الجعرانة ) تعارف الناس على تسميته بالمسجد الأقصى هو المقصود في سورة الإسراء.

النظرية لم تلق قبولا واسعا في حينها و لكن اللافت ان هذه النظرية لم ينفرد بها يوسف زيدان بل طرحها عدد آخر من الكتاب و المفكرين. من أمثال نبيل فياض و غيره. و قد قدموا في ذلك مقاربات عدة لعل من أهمها تاريخ بناء مسجد القدس عام ٧٢ للهجرة، و هو متأخر جدا عن زمن رحلة الإسراء المذكورة في القرآن الكريم. إضافة إلى قصة صلاة عمر بن الخطاب أمام الكنيسة لعدم وجود مسجد عند دخول المسلمين لبيت المقدس.

و بالعودة إلى يوسف زيدان فإننا و إن اختلفنا مع بعض أطروحاته و افكاره إلا أنه لا يمكن لأحد أن ينكر قيمته كمؤرخ و إسهاماته العديدة في مجال التوثيق و دراسة المخطوطات.

و حيث أن زيدان لا يتقاطع سياسيا ولا فكريا مع السعوديين فإنه بالإمكان الاطمئنان إلى دوافعه العلمية هنا إذ هو يطرح فكرة من شأنها إعطاء السعودية مزيدا من التشريف و المكانة الدينية و الثقل السياسي في العالم الإسلامي.

و قد قرأت كثيرا من الأطروحات التي حاول اصحابها دحض فكرة زيدان فوجدتها تفتقر للسند العلمي وقد بني معظمها على التشكيك في معلوماته و اتهامه بالعمالة لإسرائيل و هذا كلام مرسل غير مقبول و لا يصمد أمام المصادر التاريخية. و انا هنا لا ادافع عن موقف زيدان بقدر ما أرى أن الفكرة التي طرحها مهمة جدا و ليست هامشية.

و السؤال هنا هو ما الذي يمنعنا من ان ناخذ وقتا مستقطعا بين قبول النظرية و رفضها، و تقوم الجهات المعنية بدراستها بشكل أكثر عمقا و أكثر انحيازا للحقيقة ولا شيء غيرها.

ماذا إذا كان الأقصى المقصود في سورة الإسراء واقعا في أراضينا؟
ماذا لو كانت هذه حقيقة تاريخية تم تغييبها عبر القرون لأهداف سياسية أو اقتصادية مختلفة؟
ثم ماهو انعكاس حقيقة كهذه على واقعنا السياسي و الديني و الاقتصادي أيضا؟

أعلم أن هناك آراء كثيرة ترفض هذا الأمر و هذا موقف عاطفي له دوافعه السياسية إذ أن هذه الفكرة إن ثبتت فإنه سيكون من شأنها اضمحلال التأثير الديني لمدينة القدس و مسجدها.

و لكننا لو نظرنا للأمر بشكل آخر فإن ثبوت هذه النظرية سيكون إيجابيا من عدة نواح.

فهو من جهة سيعيد التموضع السياسي للعرب في القضية الفلسطينية و سوف يفتح لهم مسارات أخرى للتفاوض و المكاسب السياسية.
كما أنه استحقاق للشعوب المسلمة إذ يقول الله عز و جل في كتابه الكريم ( سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله... الآية ) فكم سيكون مطمئنا لقلوب المسلمين إن يزوروا مسرى نبيهم و ان ينعموا بإحياء مناسبة الإسراء كل عام في المسجد المبارك بعيدا عن مناطق الحروب و النزاعات.

و حتى يتم التحقق من هذا الأمر فأن مسجد (الجعرانة ) يجب أن يحظى بعناية كبيرة و ان تعاد له مكانته التاريخية فهو على كل حال مسجد قديم و أثري تذكر الروايات ان النبي زاره و أحرم منه و صلى فيه مرارا.