بينما نرى مقدار البؤس والمعاناة الذي يلاحق السوريين في بلدان اللجوء والاغتراب أو نسمع بقصة طفل أو طفلة سورية ممن تعرضوا للقتل أو للاغتصاب أوللتحرش ولشتى أنواع الانتهاكات الجسدية واللفظية دون أن يهتم بهم أحد لا نستطيع أن نتوقف عن التفكير والألم والكتابة...

آخر هذه الحوادث اغتصاب الطفلة ريان التي قضى والدها تحت التعذيب على يد قوات نظام بشار الأسد بعد اعتقاله في منطقة ميسلون بحلب خلال الشهور الأولى مِن اندلاع الثورة السورية في 2011 ، وتعيش في منزل بحي شعبي في ولاية دينزلي بتركيا برفقة أمّها وأخواتها الثلاث الصغار.

بينما نرى على الطرف الآخر بعض المنظمات ممن تسمى منظمات مجتمع مدني وقوى سياسية تقول أنها سوريّة ، و من المفترض أن تحمل أيديولوجيا ثورية ، ترفل بتمويل أجنبي، فلا نستطيع ابعاد التساؤلات تلو التساؤلات.

فكيف لهذه المنظمات وتلك التجمعات السياسية أن تأخذ كل ذلك التمويل دون أن تقدم شيئاً للسوريين ؟ ومن يستولي على تمويلات الأرامل واليتامى وذوي الاحتياجات الخاصة والمعتقلين والجرحى والمختفين قسرا....؟

انا لا أرى ضيرا أولاً في شكر الممولين وشكر الاتحاد الأوربي والحكومات الغربية جميعا التي تشارك بالتمويل وتراقبه، ولكن بعض الأدوات تضر بالقضية الانسانية وبالرغبة في مساعدة الشعب السوري والتي من أجلها كان هذا التمويل ، وتنشر الأسئلة بدل أن تقدم الاجابات.

لا أريد أن أثير هنا قضية مكتب جنيف الذي يتبع هيئة التفاوض السورية والمسجل كمنظمة خاصة باسم أشخاص إلا مثالاً على ذلك فالعملية السياسية والتفاوضية متوقفة وأصلا لم تتحرك منذ سنوات فيما تمويل مكتب جنيف وهو ممثل لهيئة التفاوض مستمر وتحت غطائه يتم تمرير تمويلات كثيرة لا أحد يعرف أين مصدرها وأين تذهب وكيف تصب.. ولماذا؟

سألت بعض مسؤولي و أعضاء هيئة التفاوض فقالوا ان مكتب جنيف تحت اشراف الهيئة والأوربيين لا يقدمون أي شيء دون مراجعة ومحاسبة ، وما يقوم به المكتب وموظفيه مراقب بالكامل من الاتحاد الاوروبي.

ولكن أليس من حقنا أن نعرف كيف وأين تصرف تلك التمويلات التي يتم الحديث عنها ؟ أليس من حقنا أن نتساءل لأنه على الرغم من تبديل قيادات الهيئة يميناً ويساراً إلا أن العاملين بلا عمل والتمويل الكبير دون أدنى نشاط حقيقي للمكتب.. مع ملاحظة أنني لا أتحدث هنا مطلقا عن الرواتب و تعويضات السفر والرحلات وتذاكر الطيران والفنادق...

عندما نتجرأ ونسأل تأتينا أجوبة عامة مبهمة من قبيل أن هناك مكاتب توثيق وتدقيق مالي أجنبية وأن الممول يقوم بما عليه للتدقيق...

لهؤلاء نقول ، بأن التدقيق المالي الورقي لا يعني شيئاً لأن الأصل هو ليس إيجاد مستند للصرف وفواتير تَبرعُ بعض منظمات المجتمع المدني والمؤسسات في ايجادها بل المهم هو معرفة كيف تمّ ولماذا ولمن ولفائدة من؟ وما هي الشرعية القانونية والإدارية لذلك الصرف؟ وننظر فجأة حولنا بعد عشر سنوات من عمر الثورة فنجد أنفسنا أمام ذات الظواهر بشار الأسد ونجله يتم تحضيره كوريث للحفاظ على الثروة المنهوبة، وفي المكان الآخر أبناء ناشطي المجتمع المدني لتتوالد المنظمات ويصب التمويل ذات نفس الأشخاص المتمولين، وتموت القضية .
ولأن القضية لا ولن تموت فنحن بحاجة لنقاش حقيقي وصادق وعميق حول الموضوع وحول كفاءات بعض من تصدروا المشهد على كل الأصعدة .. وسوريا والتمويلات ليست كعكة يجب نهشها.

لسنا معنيين على الاطلاق بكلام عن ارتباط هذا الانسان بتلك المؤسسة الأكاديمية فنحن نعرف تماماً خبايا كثير من تلك الارتباطات وربما علمتنا الثورة ألا نصدق كل من يمّثل علينا و يعرض لنا ويتكلم عن كفاءات الأشخاص الا بالوثائق الدامغة ، وكيف لمساعد قضائي أو ميّسر معاملات في مجال قبول طلبات الهجرة أن يصبح خبيرا في حل النزاعات والمفاوضات والقانون الدستوري والدولي وربما خبيرا عسكريا في ذات الوقت، وكيف وكيف وكيف... فهل ربط أي اسم باسم مؤسسة أكاديمية تجعله يصبح كذلك فعلاً؟ و ماذا عن الكفاءات الحقيقية التي طالما جرى استبعادها واستعداءها؟ لماذا ولصالح من؟

نعلم أننا عندما نثير تلك الأسئلة المشروعة فإن المؤسسة يصيبها الارتباك وتعجز عن الإجابات الحقيقية والجادة والموضوعية لأن الخوف من انكشاف الكوارث والتجاوزات والأخطاء بل العورات أكبر من أن يُحتمل..

ولا تختلف هنا أغلب منظمات المجتمع المدني عن أغلب مؤسسات المعارضة والتكتلات السياسية لذلك نرى أن تحالفاً غير مقدس نشأ بين بعض متلقي التمويل مقاومي الشفافية وبين الحقيقة من كل الجهات والأشكال.
لذلك يتم الرد على كل من يسأل هؤلاء من الذين مصوا دماء السوريين وكانوا بمائة وجه وألف لسان وشاركوا النظام بجرائمه بحق الشعب السوري الى درجة عدم ايجاد مدرسة مناسبة للطفلة اليتيمة ريان ، ومثلها يا لعارنا كثر، يتم الرد علينا بالتهديد والتحذير والتنبيه واتهامات التخوين والعمالة والارتباطات المشبوهة ووسمنا بالغيرة والحسد وضيق العين و العداء "للنجاح" وكل قاموس النرجسية والأنانية في تصنيف طارح الأسئلة خوفاً من الأسئلة ذاتها.